تتبختر العروسة ويهتز جسدها مع اللحن، تتشقلب في الهواء، تفتح ذراعيها وساقيها في قفزات متتالية مع ارتعاشة الزنبرك في جنبها.
في إحدى هذه القفزات وهي فاتحة ساقيها في الهواء لمح الطفل أحمد الدامهيري الكيلوت الوردي الشفاف، اخترقت عيناه القماش الخفيف في استطلاع. لم تصل عيناه إلى شيء إلا بطن العروسة البيضاء الناعمة، هبطت عيناه إلى العانة الصغيرة؛ لونها أبيض وردي بلون البطن، ثم هبطت عيناه أسفل العانة، إلى الشق بين الفخذين. لم يكن هناك شيء، ولا فتحة ولا أي شيء، اصطدمت عيناه بجسد العروسة المسدود، ليس فيه الشق الذي يراه في جسد بدور أو أجساد البنات من عائلة أمه وأبيه.
ما إن خرجت بدور من غرفتها، حتى انقض الطفل أحمد الدامهيري على عروستها، شدها بأصابعه القصيرة البضة التي تشبه أصابع بدور وبنات العائلتين، وأخذها معه تحت السرير. خلع عنها الثوب الرقيق من الدانتيلا، تمزق الكيلوت الوردي الشفاف بين يديه وهو يشده أسفل ساقيها، بحثت عيناه وأصابعه عن الشق بين الفخذين دون جدوى، كانت العروسة مسدودة في وجهه، مسدودة تماما لا يستطيع النفاذ إليها، كالطريق المغلق أمامه لا يقوى على اختراقه.
بلغ به الغضب مداه؛ تصور أن العروسة تعانده، تتحداه بفخذيها المسدودتين. ألقى بها فوق الأرض من شدة الغضب، خلع عنها ذراعيها وساقيها والزنبرك في جنبها، جمع أشلاءها داخل ورقة من ورق الجرائد، دفنها في حفرة بالحديقة الخلفية دون أن تراه بدور، أو غيرها من الأطفال البنات أو الأولاد.
في القاعة الكبيرة كانت بدور تجلس في الصفوف الأولى مع كبار الأدباء والنقاد، من طبقة المثقفين والمثقفات. إلى جوارها تجلس صافي صديقة عمرها ثم مجيدة ابنتها وزوجها، وأصحاب الأعمدة في الجرائد، وأصحاب المقالات في المجلات ونجوم الشاشة والإعلام، وقيادات الأحزاب والجماعات والجمعيات. كان القانون بعد الهزيمة الكبرى والانفتاح على أمريكا، قد أباح تكوين الجماعات الدينية؛ لضرب أعداء الرأسمالية والسوق الحرة تحت اسم حرية التجارة وحرية العقيدة والديموقراطية. وانتشرت المساجد والكنائس لنشر كلمة الله في المدن والقرى، في الأزقة والحواري. في سفح جبل المقطم حيث المقابر، تحولت المقابر إلى بيوت الله يسكنها الفقراء المهاجرون من الريف، يتنافس الأحياء والأموات على المقبرة، ينهزم الموتى في المعركة، ليس للموتى حزب سياسي يدافع عن حقوقهم، ولا جماعة دينية تتحدث باسمهم ، ليس لهم أعضاء في مجلس الشعب أو الشورى.
ينكمش الموتى تحت الأرض خزيا من ضعفهم. تصعد فوق أجسادهم جدران من الإسمنت، ومنارات جوامع تثبت فوقها مكبرات الصوت، الميكروفونات تنطلق منها أصوات تشبه الانفجارات قبل شروق الشمس وبعد غروبها، طوال النهار والليل. - الله أكبر، الله أكبر، الصلاة خير من النوم، حي على الفلاح، حي على الصلاة، لا إله الا الله محمد رسول الله، يا عباد الله لا تيأسوا من رحمة الله، اصبروا على الشقاء والضراء، لا تتطلعوا إلى متاع الدنيا والشهوات، الحياة الدنيا زائلة فانية، الآخرة هي الأبقى، جنة الخلد تنتظركم، ووجه ربكم الكريم.
بعد انتهاء العرض ارتفعت الأيادي بالتصفيق، الصفوف الأمامية والخلفية، المؤمنون بالله وغير المؤمنين، العاشقون للموسيقى والشعر والغناء والرقص وغير العاشقين. كانت جماعة الأمير من هذه القلة الأخيرة، يرون أن صوت الموسيقى يطرد الله من قلوب المؤمنين. كانت الفتوى قد أصدرها الأمير بتحريم هذه الفنون الضالة التي هي من وحي الشيطان. مع ذلك ارتفعت أيديهم بالتصفيق، كانت عيونهم تلحظ حركة الأمير وهو جالس في مقعده، إن ارتفعت يداه بالتصفيق ارتفعت أيديهم، إن تململ في مقعده وانتقل مركز ثقله عن ألية إلى ألية فعلوا مثله، إن تنهد بصوت غير مسموع تنهدوا، إن زمجر بصوت خافت زمجروا، إن امتدت يده نحو المسدس في جيبه امتدت أياديهم إلى جيوبهم، حتى سائقه محمود الجالس أمامه؛ كان يلحظه بجانب عينه اليسرى، أذنه اليسرى مشرئبة مرهفة تلتقط أنفاس الأمير، إن أسرعت أنفاسه وإن أبطأت، مع دقات قلبه تحت ضلوعه، وحركة الدم في عروقه من قمة الرأس إلى بطن القدمين.
كان السائق الخاص أقرب الأعوان إلى الأمير، وهو أكثرهم معرفة بأسرار الأمير وحياته الخاصة، فهو الذي يقوده بالسيارة إلى حيث يريد بالنهار أو الليل. يأخذه إلى الجامع يوم الجمعة لأداء الصلاة الجماعية، يوم السبت يأخذه إلى مقر الجماعة لحضور المجلس التنفيذي، يوم الأحد يحمله بالسيارة إلى النادي ليلعب الجولف مع أفراد العائلتين الكريمين، أو يرافق أفراد أسرته في رحلة إلى الهرم أو الفيوم أو شاطئ البحر البعيد غرب الإسكندرية، بعيدا عن البحر الملوث بمجاري المدينة، هناك في الفيلا الأنيقة على الساحل الشمالي، مارينا، أو مارابيا، أو بدر، والهدى والمدينة المنورة، على الطريق الصحراوي ما بين الإسكندرية ومرسي مطروح. كان الأمير يتجرد من ملابسه ليسبح في المياه الزرقاء بلون السماء تحت أشعة الشمس الذهبية. ترمقه زوجته الجالسة تحت خيمتها السوداء بعينين سوداوين مملوءتين بالحسد. يفتح زوجها الأمير ذراعيه وساقيه لمياه البحر المنعشة، يبلبط ويتمرغ في أشعة الشمس ويتراقص تحت الماء، وزوجته جالسة في مقعدها يتصبب جسدها عرقا، يخرج من أنفها وفمها وعينيها لعاب أو دخان سائل يشبه الدموع. على مسافة غير بعيدة من وراء السور، على الشاطئ المخصص للخدم والطباخين والسائقين والجناينية، ومعسكر الشباب المؤمن الصيفي من الخيام، كان السائق محمود يتمشى فوق الرمال مرتديا مايوه متعدد الألوان، أحمر وأخضر وأزرق وأصفر وبنفسجيا. المايوه الإسلامي الذي لا يكشف عن فخذي الرجل، يهبط المايوه الذكوري ليغطي الركبتين، لكن العضو الذكري المبجل سعادة القضيب يبرز منتصبا تحت قماش المايوه الملون المطاط، لا يعيب الرجل أن يكون له قضيب متمرد لا يعرف التقوى أو خشية الله، لا يعيب الذكور أن يسبحوا في البحر بالمايوه، أما النساء فإن وجوههن عورة فما بال والفخذين أو الساقين أو حتى الذراعين. أفتي الأمير أن صوت المرأة عورة أما جسدها؛ فكل جزء فيه عورة حتى الرأس مركز العقل والتفكير.
كان الشوفير محمود يدلك شعر صدره الأسود بيديه تحت أشعة الشمس، ثم يلقي بنفسه في مياه البحر، يفتح ذراعيه وساقيه للهواء والماء كما يفعل سيده الأمير يبلبط ويتمرغ ويتراقص تحت الماء. يحمد الله لأنه خلقه ذكرا وليس أنثي مثل زوجة الأمير وغيرها من النسوة المتصببات عرقا تحت الشماسي. خلقه الله سائقا فقيرا وليس أميرا ثريا مثل سيده الأمير، لكن الله خلقه ذكرا وليس أنثي والحمد لله. يقول لنفسه أو يخاطب الله، وهو يرمق الزوجة الجالسة تحت الخيمة السوداء تنفث الدخان من عينيها وأذنيها. - أشكرك يا رب على النعمة، الفقر ليس عيبا يا رب؛ فأنت صاحب الأرزاق، تخلق الغني وتخلق الفقير، تخلق الصالح وتخلق الفاسد، لكن النسوة أسوأ المخلوقات. النسوة حليفات الشيطان كما سمع من أبيه وجده، النظافة من الإيمان والوساخة من النسوان. يعرف السائق عن حياة الأمير أكثر مما تعرف زوجته، يضاعف له الأمير المكافأة ليكتم الأسرار. يعرف السائق عناوين بيوت البغاء والغواني، وأين تسكن عشيقات الأمير من الإماء والجواري ومن ملكت اليمين، يحفظ عناوينهن وأرقام التلفونات في نوتة صغيرة، يكتب أسماءهن بخط متعرج يشبه خطوط الأطفال في المدرسة الأولية. لم يدخل السائق مدرسة في حياته، علمه الأمير شيئا من القراءة والكتابة، دربه على قيادة السيارة وقراءة أرقام العداد بالحروف الأجنبية، دربه على قراءة القرآن وحمل السلاح وإصابة الهدف في معسكر التدريب، وتدوين أرقام النسوة في النوتة، وجدول الضرب والطرح والجمع، لعمل حسابات المصاريف والبنزين والمكافآت والهدايا السرية. كان السائق محمود أقرب شخص إلى الأمير، أقرب إليه من زوجته، يمكنه الاستغناء عن الزوجة أو استبدالها بزوجة أخرى، لكن السائق لم يكن له بديل. كان كاتم الأسرار، الحارس الخاص الأمين، يلازمه ليل نهار، يكاد يدخل معه إلى المرحاض لولا الحرج، يقف أمام الباب المغلق منتصبا منتبها حتى يقضي الأمير حاجته. كان الأمير يبول مثل بقية خلق الله، يسمع الشوفير صوت خرطوم بول الأمير يضرب سلطانية المرحاض من السيراميك الفاخر المستورد من أوروبا، من بلاد الكفرة الأجانب. يطرد السائق محمود هذه الأفكار التي يهمس بها إبليس في أذنه، لكنه يبتهج حين يسمع صوت بول الأمير، يشبه صوت بوله هو السائق الفقير، يتساوى الأمير مع البشر حين يبول، إنه الله لا يفرق بين العبد الفقير والأمير، سبحانه في السماوات العليا، الإله العادل.
بعد انتهاء العرض دس الأمير في يد سائقه ورقة صغيرة مطوية، يحفظ السائق المهمة عن ظهر قلب، يلتقط الإشارة بطرف عين، ينهض من مقعده ويسير نحو خشبة المسرح، يشق طريقه نحو زينة بنت زينات، من حولها يتجمع المعجبون والمعجبات رجالا ونساء وشبابا، يصافحونها يدا بيد، توقع باسمها على ديوان شعرها الجديد، أو إحدى أغانيها الأخيرة، أو الموسيقى التي تؤلفها للأغاني. يتجمع من حولها أطفال الشوارع أولادا وبنات، تمنحهم فرقة مريم حق الدخول إلى المسرح دون تذاكر. يحمل كل منهم كارنيها صغيرا، يحمل صورته واسمه، ليس في الكارنيه خانة لاسم الأب المجهول. يمكن الطفل أو الطفلة أن تكتب اسم الأم، يحظى اسم الأم بالشرف الكامل في فرقة مريم مثل اسم الأب. ليس في الكارنيه خانة للديانة، لا تفرق فرقه مريم بين دين ودين، كان رجال البوليس يطاردون الأطفال في الشوارع ينزعون منهم الكارنيهات، يلقون بها في مياه المجاري. يأخذون الأطفال داخل العربات المصفحة إلى السجن أو التخشيبة، يتلقون الضربات والصفعات والركلات بكعب الحذاء، يملئون آذانهم الصغيرة المرهفة بأبشع أنواع السباب، من أول: يا أولاد الزنى إلى أولاد القحبة والشرموطة. يرقد الأطفال على الأرض في غرفة واحدة مع كبار القتلة وتجار المخدرات والقوادين والحشاشين. يعتدي الذكور الكبار على الأطفال، يتم الاغتصاب في الليل داخل الصمت. تذوب صرخات الطفلة أو الطفل في الشخير الذكوري الغليظ، من الأنوف المسدودة والأفواه المفتوحة، والعيون المغلقة إلا عين الله الساهرة التي لا تنام، مفتوحة كالفنجان، تري وتشهد ما يحدث للأطفال، دون أن تتدخل في ما لا يعنيها. يخرج الأطفال من السجون إلى الشوارع، لا ينظرون إلى مائدة الله في السماء، ينظرون إلى الأرض، ينبشون صفائح القمامة مع القطط الشاردة والكلاب، تضمهم زينة بنت زينات إلى حضنها، تسجل أسماءهم في فرقة مريم، يدب الأطفال بأقدامهم الصغيرة الحافية على الإيقاع، تسري الموسيقى في أجسادهم دافئة كالدم في عروقهم، كاللبن في ثدي الأم. تهتز أرواحهم مع أجسامهم باللحن، يغنون ويرقصون ويقفزون فرحا في الهواء، تنطح رءوسهم قبة السماء، يهبطون إلى الأرض ثم يحلقون في الفضاء، يصعدون ويهبطون ويصعدون ويهبطون، يدورون حول زينة بنت زينات وهي ترقص وتغني، يدورون ويدورون دون توقف، كما تدور الأرض حول الشمس.
Shafi da ba'a sani ba