وأحضر الصيادان الشابان مركبهما إلى النافذة، فبدأ الزوجان اللذان كانا يتمتعان باللياقة البدنية والنشاط، في الهبوط إلى داخل السفينة.
كان عدد الركاب قد أصبح الآن ستة، ومن ثم اتجهوا إلى منزل صاحبي الراية البيضاء، وهبط الزوجان المقيمان فيه إلى سفينة الصيد، فارتفع عدد الركاب إلى ثمانية، وكان الشابان قد شاهدا منصة طبية أنشئت بصفة مؤقتة عند تقاطع شارعي نابليون وسانت تشارلز، واتفق الجميع على توصيل الركاب إليها، كان الوقت قد حان لزيتون وفرانك حتى يفترقا عن سفينة الصيد، فقاما بفك الحبل الذي يربط القارب بها وودعاهم.
وقال أحد الشابين: «حظا حسنا في كل شيء.»
وقال زيتون: «ولكما أيضا.»
ولم يعرف أحد منهم أسماء سواه قط. •••
في باتون روج كانت كاثي لا تزال تسير بالسيارة لقتل الوقت، وقد امتلأت سيارتها بالأطفال، وابتغاء التسرية والابتعاد عن الأخبار التي يذيعها الراديو - إذ كانت الأحوال تزداد سوءا كل ساعة - كانت تتوقف بين الحين والآخر عند أي حوانيت أو مطاعم مفتوحة، كان صوت زيتون يبدو بالغ الهدوء على التليفون في الليلة السابقة، قبل نفاد بطارية تليفونه، ولكن الأحوال تطورت في المدينة منذ ذلك الحين؛ إذ كانت تسمع أنباء عن أحداث عنف لا ضابط لها ولا رابط، عن انتشار الفوضى، عن الآلاف في عداد الموتى. ما عسى زوجها المخبول أن يفعل هناك؟ حاولت الاتصال به المرة بعد المرة، آملة أن يكون قد نجح بطريقة ما في شحن بطارية تليفونه. حاولت الاتصال به على تليفون المنزل، قائلة في نفسها: لعل المياه انخفضت بمعجزة إلى ما دون مستوى جهاز التليفون، ولعل الأسلاك لم تتضرر. لم تجد شيئا؛ إذ كانت خطوط الاتصال مقطوعة.
كان المذيعون يقولون في الراديو إن الحكومة قد أرسلت إلى المنطقة مجموعة أخرى من رجال الحرس الوطني يبلغ عددها عشرة آلاف، وإن نحو ثلث هذا العدد كان مكلفا بالحفاظ على النظام، وعرفت أنه سرعان ما يبلغ عدد جنود الحرس الوطني في المنطقة واحدا وعشرين ألفا، قادمين من شتى أرجاء البلد؛ من فرجينيا الغربية، وأوتاه، ونيو مكسيكو، وميسوري. كيف يتسنى لزوجها أن يهدأ وكل فروع القوات المسلحة تهرع إلى المدينة؟
وأغلقت الراديو وحاولت الاتصال بزيتون مرة أخرى. لا شيء. كانت تعرف أن أوان القلق لم يحن بعد، ولكن الأفكار السوداء كانت تتزاحم في رأسها. إذا كانت صلتها قد انقطعت بزوجها الآن، فكيف تعرف إن كان قد حل به مكروه؟ كيف تعرف إن كان حيا أو في خطر أو مات؟ وقالت في نفسها إنها تشطح، فليس في خطر، ما دامت الرياح العاصفة قد مضت، ولم يعد الآن سوى الماء. كما أن الجنود في طريقهم إلى المدينة، لا يوجد ما يبرر القلق.
وعندما عادت إلى منزل أسرتها في باتون روج، وجدت أمها هناك، كانت قد أتت لإحضار الثلج، فألقت التحية على الأطفال جميعا ثم نظرت إلى كاثي.
وقالت: «لم لا تخلعين هذا الشيء وتنعمين بالاسترخاء؟» مشيرة إلى حجاب كاثي. وأضافت: «ليس موجودا هنا ، كوني نفسك!»
Shafi da ba'a sani ba