ولم يكن أحد من نزلاء زنزانة زيتون يعرف إن كان هؤلاء السجناء لا يزالون في ملعب كرة القدم أو لا، أو ما حدث لهم بعد ذلك.
الإثنين 12 من سبتمبر
في الصباح، أخرج الرجال الأربعة من الزنزانة فأصبح زيتون وناصر وحدهما مرة أخرى. لم يكن لديهما ما يفعلانه غير انتظار أي وجه جديد، أي شخص قد تؤدي مخاطبته إلى إدراك العالم الخارجي لوجودهما هنا.
كان الملل شديدا، لم تقدم إليهما كتب ولا صحف ولا جهاز للراديو، لم يكن في طوق الرجلين سوى التحديق في الجدران الرمادية، أو الأرضية السوداء، أو القضبان ذات اللون الأزرق الفاقع، أو وجه كل منهما. لكنهما كانا يخافان الكلام خوفا شديدا. كانا يفترضان أنهما يخضعان للمراقبة هنا بأسلوب ما، وإذا كان جيري جاسوسا فالمحتمل أن يكون قد دس به لمراقبتهما في قفص خارجي، ولن يكون من المدهش أن تسجل محادثاتهما هنا، في السجن ذي الحراسة المشددة.
جلس زيتون على السرير وأغمض عينيه، لم يكن يريد إلا أن تمر هذه الأيام.
واستعرض في ذهنه ظروف القبض عليهم، والساعات والأيام السابقة على ذلك، مرات لا تحصى، محاولا أن يدرك سبب لفت الأنظار إليهم. هل كان السبب ينحصر في وجود أربعة رجال في منزل واحد؟ كان يسلم بأن أمرا كهذا، بعد الإعصار وإخلاء معظم المدينة من سكانها، كان جديرا بالتحقيق فيه. ولكن التحقيق لم يحدث، ولم توجه أي أسئلة، ولم يعثر على أي أدلة، ولم توجه أي تهم.
كانت كاثي كثيرا ما تبدي قلقها من وجود الحرس الوطني وجنود آخرين عادوا إلى الولايات المتحدة من الخدمة في العراق أو أفغانستان. وكانت تحذره من المرور بجماعات الجنود في المطارات، ومن السير بجوار مكاتب الحرس الوطني. كانت تقول لزيتون، شبه متفكهة: «إنهم مدربون على قتل رجال مثلك.» لم تكن تريد لأسرتها أن تصبح من الخسائر الثانوية في حرب ليست لها جبهات يمكن تمييزها، وليس لها شكل حقيقي، ولا قواعد.
قبل ما يقرب من عشرين عاما، كان يعمل على ظهر ناقلة بترول تسمى «أندروميدا»، وكان الرجال قد انتهوا لتوهم من نقل البترول الكويتي إلى اليابان، وفي طريق عودتهم إلى الكويت لنقل المزيد. كان ذلك عام 1987، وكانت إيران والعراق تخوضان حربهما الطويلة المنهكة للطرفين، وكانت معظم مصافي البترول عندهما قد دمرت أثناء القتال، فأصبحت الدولتان تعتمدان على الواردات البترولية، وكانتا تحاولان بانتظام اعتراض أي سفن تنقل البترول إلى العدو من خلال مضيق هرمز، أو إحداث الأضرار بها، وكان زيتون ورفاقه في السفينة يعرفون أن دخول خليج عمان، تمهيدا لدخول الخليج العربي، كان يعني إثارة غضب الغواصات والسفن الحربية التابعة للعراق أو لإيران، وكان البحارة يحصلون على أجر إضافي لتعويضهم عن المخاطر.
وكان مرقد زيتون في السفينة فوق خزانات الوقود فيها مباشرة، وكان نائما ذات صباح حين انتفض نتيجة انفجار وقع أسفل مرقده. لم يكن يعرف إن كان أحد الخزانات قد انفجر أم أن السفينة قد ارتطمت بشيء ما. وسرعان ما أدرك أنه لو كان الخزان قد انفجر لكان في عداد الأموات، ومن ثم فلا بد أن السفينة ارتطمت بشيء، أو صدمها شيء. وكان في طريقه مسرعا إلى برج القيادة حين وقع انفجار آخر هز السفينة هزا.
كانت الطوربيدات الإيرانية قد أصابت السفينة مرتين، وأدى اصطدامها إلى إحداث فجوة كبيرة تكفي لدخول زورق بمحرك فيها! ولكن كان من الواضح أن الإيرانيين لم يكونوا يقصدون إغراق الناقلة ولو أرادوا ذلك لكان يسيرا حقا، كانوا يريدون إرسال تحذير، وجعل السفينة عاجزة عن مواصلة السير.
Shafi da ba'a sani ba