قد يقال: إن إثارة هذه القضايا تضر بالتقارب بين المسلمين، خصوصا إذا اقترنت بنقد المذاهب الأخرى صراحة. نحن نقدر القلق من استمرار ظاهرة بث الفرقة بين المسلمين، مع ذلك لا نرى في عرض الرؤى المختلفة ما يؤدي إلى ضرر بذاته. إن المسلمين مختلفون؛ وهذه حقيقة لا مناص منها، ولكنها ليست الداهية العظمى ولا المصيبة الكبرى، بل إن مشكلتنا هي في طريقة تعاملنا مع اختلافنا. إننا بين إحدى ثلاثة: داعي فرقة صراحة من خلال التأكيد على الهوة الموجودة بين المسلمين. أو داعي وحدة من خلال المطالبة بفتح حوارات في أصول القضايا المختلف عليها بغرض التوصل إلى وفاق حولها. وبين أولئك يوجد من يدعو إلى التعايش على أحد معنيين: أولهما: تعايش سلبي يعمل على تجاهل القضايا المختلف فيها. أو إنكار وجودها، أو التقليل من أهميتها. ثانيهما: تعايش إيجابي يعمل على تحييد أثر الاختلافات بين المسلمين مع إقرار بأهمية المسائل المختلف فيها. إن الدعوة إلى الفرقة شر. والدعوة إلى التعايش السلبي خطأ؛ لأنه لا يعمل إلا على إبقاء الجمر تحت الرماد . وأكثر الأعمال للتقارب بين المسلمين منصبة على هذا النوع. هذا واضح في مؤتمرات ومؤلفات مشاريع التقريب بين المذاهب الإسلامية. ما يسوغ موقفهم هو صعوبة العمل على التعايش الإيجابي، وأصعب منه العمل نحو الوحدة. ينبغي الدعوة إلى "الوحدة"، فإن لم تكن ف"التعايش الإيجابي". والوحدة المطلوبة هي في القضايا الكلية التي لا يصح أن نختلف عليها. فالدين قد رسم لنا اتجاها ووضع لنا طريقا عريضا للسير إلى ذاك الاتجاه. وعلينا أن نسير فيها معا، ونتنوع ونتعدد ضمن ذلك الطريق العريض، بمعنى آخر يكون التنوع والتعدد في القضايا التي تتعلق بالحياة وتختلط بها، فيكون تنوعا تبعا للتنوع في الحياة، وأما القضايا التي تتعلق بالاتجاه وهي الإيمان بالله واليوم الآخر وتفاصيل ذلك فلا معنى ولا فائدة في الاختلاف حولها. وإلى حين أن تتحق الوحدة، فلا بد من التعايش الإيجابي. والسبيل إليه يكون بالعمل على كل مما يلي:
1. أن ننفي عن القضايا المختلف فيها أثرها في تصنيف الناس؛ وحصر التصنيف في النص الشرعي. فمهما لم نجد نصا يوجب لاختلافنا أثرا كان الواجب علينا أن نبقى على الأصل. فحتى لو اختلفنا في قضايا أصولية، أو في قضايا الإلهيات الكبرى، فإن ذلك وحده لا ينتج وجوبا شرعيا للحكم بالتكفير أو التضليل. إن كل من آمن بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر فالأصل والضرورة الشرعية تحكم أنه مسلم له ما للمسلمين وعليه ما عليهم. إن إخراجه من هذه الدائرة يتطلب دليلا شرعيا قطعيا في ثبوته وقطعيا في دلالته. هذا يعني أنه مهما اعتقدت خطأ وشناعة قول مسلم فإن اعتقادي هذا يجب أن لا ينتج حكما شرعيا بتكفيره، ما لم يكن هناك نص قطعي يوجب على صاحب تلك المقالة بعينها الكفر. هذا مع إبقاء حق التعبير عن الرأي مصونا، فلا يعني هذا الكلام السكوت عما يراه أحد خطأ.
2. التذكير المتواصل بقول الله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم}[الممتحنة:8]، وهي تدل على أن الاختلاف في الدين ليس مانعا للبر والإحسان. وقد يؤخذ من الآية أيضا أنه لا يكفي الاختلاف في الدين لإيقاع العداء، وإنما لا بد أن يرافقه الظلم.
3. مواجهة الأساليب غير المتوازنة في التعامل مع المخالف.
4. ضرورة إبراز وتصنيف القضايا المختلف عليها، والتي تميزت بها المذاهب وذلك لتحقيق الأغراض التالية: أ. لكي يكون الاختلاف على قضايا موجودة وليس على قضايا وهمية. وهنا يجب الابتعاد عن المجاملة قدر الإمكان.
Shafi 14