وبينما هو عائد إلى غرفته في الحمام التقى بالغريب في الطريق، فتبادل الاثنان نظرة سريعة وكل منهما سائر في سبيله، ثم التفت الغريب كأنه يريد أن يتحقق ظنا فرأى القسيس واقفا يلتفت إليه. - هو هو بعينه، نبذ الثوب وتزوج، سبحانك يا رب.
وفطن القسيس إذ ذاك إلى تلك المقابلة في لبنان وتذكر السؤالات التي سئلها، فقال في نفسه: الأوفق ألا يعلم بوجودي هنا.
أما الغريب فلما وصل إلى البيت أخبرته الامرأة بزيارة القسيس وسؤاله عنهما.
فرفع يده إلى جبينه متبحرا، هو بعينه؛ هو القس بولس عمون ذاك العالم الفيلسوف الذي قابلته في لبنان، وهذه الورقة التي عثرت بها عند الحمامات لا شك أنها من أوراقه، ثم قرأ فيها ثانية: «كلما فكرت بالماضي؛ ماضي حياتي ينقبض قلبي، أجمل الأسرار الدينية سر الاعتراف ... لولاك يا ربي لمن يعترف المجرم الأثيم؟»
ثم قرأ ما كتب في الجهة الثانية وقال: ليس هنا أحد يحسن مثل هذه الأشياء ويكتبها، والاعتراف! الحق معه لمن يعترف المجرم الأثيم لولاك يا رب؟
وبات الغريب حائرا بائرا تلك الليلة يفكر بالقس بولس عمون وبإيلياس البلان، واستيقظ صباحا وجاء إلى الحمامات ليقابله، فقيل له: إن القسيس سافر مساء البارح.
الفصل الثامن
لا نظن القارئ يجهل الآن الغريب في زي الأعراب المعروف بأبي السلة والفتاة المقيمة معه، ولكنه يتوقع شيئا من أخباره قبل مجيئه إلى طبريا ومن قصة الفتاة بعد أن ألقيت في السجن، فإن تلك الدعوى دعواها كمثل الكثير من الدعاوي التي تسمع في محاكم البلاد فتخفى حقيقتها على رجال الشحنة والقضاة، أو إنها تخفى عمدا وعدوانا حبا بكسب، أو إرضاء لصاحب نفوذ، أو تزلفا لذي أمر، فيبرأ مذنب، ويتهم بريء ولا يذنب - الحق والعدل - في كلا الحالتين غير الحكومة الأثيمة.
وإننا لنسرد الآن إيجاز خبر القضية التي ألبست بيت مبارك عارا لا تدثره الأيام، وأقامت رجال الحكومة وأقعدتهم ، وأشغلت القس جبرائل عن خصومة الرهبان، واضطرته في نهاية الأمر إلى أن يخرج من الدير.
ما كادت تشرق الشمس على تلك الجريمة حتى ضجت الناصرة بأخبارها وتعددت حسب العادة في مثل هذه الحوادث الإشاعات، فمن الناس من قال: إن يوسف مبارك قتل ابن عمه غيرة على عرضه. ومنهم من قال: إن مريم سبب الجريمة والست هند مرتكبتها. ومنهم من أشاع أن للرهبان أصدقاء الست هند يدا فيها، وما أحد ذكر عارفا، بخير أو بشر؛ ذلك لأن الشاب كان متغيبا معظم الوقت عن البلد، ولم يخطر أمره في بال أحد من الناس إذا استثنينا المدعي العمومي.
Shafi da ba'a sani ba