Zakat al-Fitr
زكاة الفطر
Mai Buga Littafi
مطبعة سفير
Inda aka buga
الرياض
Nau'ikan
٤٥
رسائل سعيد بن علي بن وهف القحطاني
زكاة الفطر
آداب، وأحكام، وشروط، ودرجات، ومسائل
في ضوء الكتاب والسنة
تأليف الفقير إلى الله تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
Shafi da ba'a sani ba
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في «زكاة الفطر» بيَّنتُ فيها مفهوم زكاة الفطر: لغةً، واصطلاحًا، وأن الأصل في وجوبها عموم الكتاب، والسنة الصريحة، وإجماع أهل العلم، وذكرت شروطها المعتبرة عند أهل العلم، وأوضحت الحِكَمَ من زكاة الفطر، وأنها فرضٌ: على كل مسلمٍ حرٍّ، أو عبدٍ، أو كبيرٍ، أو صغيرٍ، أو ذكرٍ، أو أنثى، وأوضحت وقت إخراج زكاة الفطر، ومقدار زكاة الفطر: بالصّاع النبويّ وبالوزن، وذكرت درجات إخراج زكاة الفطر، ثم بيَّنت أهل زكاة الفطر الذين تُدفع لهم، وذكرتُ حُكْمَ دفع القيمة في زكاة الفطر، وأن زكاة الفطر تلزم المسلم عن نفسه وعن من يعول، ثم ختمت ذلك ببيان مكان زكاة الفطر، وحكم نقلها، وأحكام إخراج زكاة الأموال، وقد استفدت كثيرًا من ترجيحات سماحة شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز، غفر الله له، ورفع منزلته.
واللهَ أسأل أن يجعل هذا العمل مباركًا، نافعًا، خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وينفع به من انتهى إليه؛ فإنه
1 / 3
خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف: أبو عبد الرحمن
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
حرر بعد الظهر من يوم السبت ٢٨/ ٣/١٤٢٦هـ بمدينة الرياض
1 / 4
زكاة الفطر
أولًاَ: مفهوم زكاة الفطر:
الزكاة لغة: النماء، والزيادة، والطهارة، والبركة، يقال: زكى الزرع: إذا نما وزاد (١).
الفطر: اسم مصدر، من قولك: أفطر الصائم، يفطر إفطارًا؛ لأن المصدر منه: الإفطار، وهذه يراد بها الصدقة عن البدن، والنفس، وإضافة الزكاة إلى الفطر، من إضافة الشيء إلى سببه؛ لأن الفطر من رمضان سبب وجوبها، فأضيفت إليه؛ لوجوبها به، فيقال: «زكاة الفطر».
وقيل لها: فطرةٌ؛ لأن الفطرة: الخلقة، قال الله تعالى: ﴿فِطْرَةَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ (٢). أي جبلته التي جبل الناس عليها، وهذه يراد بها الصدقة عن: البدن، والنفس، كما كانت الأولى صدقة عن المال (٣)، ويقال: «زكاة الفطر، وصدقة الفطر، ويقال للمُخْرَج: فطرة، وهي اصطلاحية للفقهاء، كأنها من الفطرة التي هي الخلقة: أي زكاة الخلقة» (٤).
زكاة الفطر في الاصطلاح: «هي الصدقة تجب بالفطر من رمضان،
_________
(١) انظر: النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، باب الزاي مع الكاف، مادة «زكا»، ٢/ ٣٠٧، ولسان العرب، لابن منظور، باب الواو والياء من المعتل، فصل الزاي، مادة «زكا» ١٤/ ٣٥٨، والقاموس المحيط، باب الواو والياء، مادة «زكا»، ص ١٦٦٧، والتعريفات، للجرجاني، ص ١٥٢.
(٢) سورة الروم، الآية: ٣٠.
(٣) انظر: غريب الحديث، لابن قتيبة، ١/ ١٨٤، والمغني، لابن قدامة، ٤/ ٢٨٢.
(٤) المجموع للنووي، ٦/ ٤٨، فرضت زكاة الفطر في السنة الثانية للهجرة [فتح القدير للشوكاني، ٥/ ٤٢٥].
1 / 5
طهرة للصائم: من اللغو، والرفث» (١).
وقيل: «إنفاق مقدار معلوم، عن كل فرد مسلم يُعيله، قبل صلاة عيد الفطر، في مصارف مخصوصة» (٢).
وقيل: «صدقة واجبة بالفطر من رمضان، وتسمى فرضًا، ومصرفها كزكاةٍ» (٣).
والحدُّ الذي يشمل التعريفات المتقدمة كلها، وهو: أن يقال: زكاة الفطر: صدقة معلومة بمقدار معلوم، من شخص مخصوص، بشروط مخصوصة، عن طائفة مخصوصة، لطائفة مخصوصة، تجب بالفطر من رمضان، طهرة للصائم: من اللغو، والرفث، وطعمة للمساكين، والله تعالى أعلم.
ثانيًا: الأصل في وجوب زكاة الفطر: عموم الكتاب وصريح السنة والإجماع:
أما عموم الكتاب، فقيل: قول الله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ (٤) (٥). وعموم قول الله تعالى: ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ
_________
(١) الإقناع لطالب الانتفاع، لموسى بن أحمد الحجاوي الحنبلي، ١/ ٤٤٩، ومنتهى الإرادات، لمحمد بن أحمد الفتوحي، ١/ ٤٩٦، وحاشية الروض المربع لابن قاسم، ٣/ ٢٦٩.
(٢) معجم لغة الفقهاء، لمحمد رواس، ص ٢٠٨، مادة «زكاة».
(٣) منتهى الإرادات، للفتوحي، ١/ ٤٩٦، ونيل المآرب بشرح دليل الطالب، لعبد القادر بن عمر التغلبي، ١/ ٢٥٥.
(٤) سورة الأعلى، الآيتان: ١٤ - ١٥.
(٥) ذكر الإمام الطبري في تفسير، هـ ٢٤/ ٣٧٤ عن أبي العالية: ما يفيد ذلك، وذكره عبد الرزاق في مصنفه، برقم ٥٧٩٥ عن سعيد بن المسيب، وذكر ابن كثير في تفسيره أن عمر بن عبد العزيز كان يتلو هذه الآية عندما يأمر الناس بزكاة الفطر، وذكر ابن قدامة في المغني، ٤/ ٨٢، والزركشي على مختصر الخرقي، أن سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز قالا في هذه الآية: قد أفلح من تزكى «هو زكاة الفطر» والله تعالى أعلم.
1 / 6
فَخُذُوهُ﴾ (١).
وأما السنة؛ فلأحاديث كثيرة، ومنها حديث عبدالله ابن عمر ﵄، وفيه: «فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين ...» (٢).
وأما الإجماع، فأجمع أهل العلم: أن صدقة الفطر فرض، قال الإمام ابن المنذر ﵀: «وأجمعوا على أن صدقة الفطر فرض، وأجمعوا على أن صدقة الفطر تجب على المرء، إذا أمكنه أداؤها عن نفسه، وأولاده الأطفال، الذين لا أموال لهم، وأجمعوا على أن على المرء أداء زكاة الفطر عن مملوكه الحاضر» (٣).
ثالثًا: شروط وجوب زكاة الفطر ثلاثة شروط:
الشرط الأول: الإسلام، فتجب على كل مسلم: حرٍّ أو عبدٍ، أو رجل أو امرأة، صغيرٍ أو كبيرٍ؛ لحديث ابن عمر ﵄، وفيه: «فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر من رمضان، على كل نفس من المسلمين: حرٍّ أو عبدٍ، أو رجلٍ أو امرأةٍ، صغيرٍ أو كبيرٍ» (٤). قال الإمام ابن قدامة ﵀: «وجملته أن زكاة الفطر تجب على كل مسلم، مع الصغر والكبر،
_________
(١) سورة الحشر، الآية: ٧.
(٢) متفق عليه: البخاري، برقم ١٥٠٣، ومسلم، برقم ٩٨٤، وسيأتي تخريجه.
(٣) الإجماع لابن المنذر، ص ٥٥، وانظر: المغني لابن قدامة، ٤/ ٢٨٠، والشرح الكبير مع المغني والإنصاف، ٧/ ٧٩.
(٤) متفق عليه: البخاري، برقم ١٥٠٣، ومسلم، برقم ٩٨٤، وسيأتي تخريجه إن شاء الله تعالى.
1 / 7
والذكورية والأنوثية، في قول أهل العلم عامة، وتجب على اليتيم، ويخرج عنه وليه من ماله، وعلى الرقيق» (١).
الشرط الثاني: الغنى، وهو أن يكون عنده يوم العيد وليلته صاع، زائد عن قوته وقوت عياله، وحوائجه الأصلية (٢).
الشرط الثالث: دخول وقت الوجوب، وهو غروب الشمس من ليلة الفطر؛ لقول ابن عمر ﵄: «فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر من رمضان» (٣) وذلك يكون بغروب الشمس، من آخر يوم من أيام شهر رمضان، فمن أسلم أو تزوج، أو وُلِدَ له ولد، أو مات قبل الغروب لم تلزمه فطرتهم، وإن غربت وهم عنده ثم ماتوا فعليه فطرتهم؛ لأنها تجب في الذمة، فلم تسقط بالموت ككفارة الظهار (٤).
رابعًا: الحكمة من وجوب زكاة الفطر:
لا شك أن مشروعية زكاة الفطر لها حِكم كثيرة من أبرزها وأهمها الحكم الآتية:
١ - طُهرةٌ للصائم، من اللغو والرفث، فترفع خلل الصوم، فيكون بذلك تمام السرور.
٢ - طعمةٌ للمساكين، وإغناء لهم عن السؤال في يوم العيد،
_________
(١) المغني، لابن قدامة، ٤/ ٢٨٣.
(٢) الكافي، لابن قدامة، ٢/ ١٦٨، والشرح الممتع، ٦/ ١٥٣.
(٣) متفق عليه: البخاري، برقم ١٥٠٣، ومسلم، برقم ٩٨٤، وسيأتي تخريجه.
(٤) الكافي، لابن قدامة، ٢١٧٠.
1 / 8
وإدخال السرور عليهم؛ ليكون العيد يوم فرح وسرور لجميع فئات المجتمع.
٣ - مواساةٌ للمسلمين: أغنيائهم، وفقرائهم ذلك اليوم، فيتفرغ الجميع لعبادة الله تعالى، والسرور والاغتباط بنعمه ﷾، وهذه الأمور تدخل في حديث ابن عباس ﵄ «فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين ...» (١).
٤ - حصول الثواب والأجر العظيم بدفعها لمستحقيها في وقتها المحدد؛ لقوله ﷺ في حديث ابن عباس المشار إليه آنفًا: «فمن أدَّاها قبل الصلاة فهي صدقة مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات» (٢).
٥ - زكاة للبدن حيث أبقاه الله تعالى عامًا من الأعوام، وأنعم عليه سبحانه بالبقاء؛ ولأجله استوى فيه الكبير والصغير، والذكر والأنثى، والغني والفقير، والحر والعبد، والكامل والناقص في مقدار الواجب: وهو الصاع.
٦ - شكر نعم الله تعالى على الصائمين بإتمام الصيام، ولله حكم، وأسرار لا تصل إليها عقول العالمين (٣).
_________
(١) أبو داود، برقم١٦٠٩، وابن ماجه، برقم ١٨٢٧، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، برقم ١٦٠٩، وفي صحيح ابن ماجه، برقم ٤٩٢ - ١٨٥٤، ويأتي تخريجه إن شاءالله.
(٢) أبو داود، برقم ١٦٠٩، وابن ماجه، برقم ١٨٢٧، وهو جزء من الحديث الذي قبله.
(٣) إرشاد أولي البصائر والألباب، لنيل الفقه بأقرب الطرق، وأيسر الأسباب للعلامة عبدالرحمن السعدي، ص ١٣٤.
1 / 9
خامسًا: زكاة الفطر فرض على كل مسلم فَضُل عنده يوم العيد وليلته
صاع من طعام، عن قوته وقوت أهل بيته الذين تجب نفقتهم عليه؛ لحديث عبدالله بن عمر ﵄ قال: «فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر في رمضان على كل نفسٍ من المسلمين: حرٍّ أو عبدٍ، أو رجلٍ، أو امرأةٍ، صغيرٍ، أو كبيرٍ، صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير» وهذا لفظ مسلم في رواية، ولفظ البخاري: «فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر: صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، على العبد، والحر، والذكر، والأنثى، والصغير، والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة». وفي لفظٍ للبخاري عن نافع عن ابن عمر: «فرض النبي ﷺ صدقة الفطر – أو قال: رمضان – على الذكر، والأنثى، والحر، والمملوك: صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، فعدل الناس به نصف صاع من برٍّ، فكان ابن عمر يعطي التمر، فأعوز أهل المدينة من التمر فأعطى شعيرًا، فكان ابن عمر يعطي عن الصغير والكبير، حتى إن كان يعطي بنيَّ، وكان ابن عمر ﵄ يعطيها للذين يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين» (١).
ويستحب إخراج زكاة الفطر عن الحمل؛ لفعل عثمان ﵁ (٢).
_________
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب فرض صدقة الفطر، برقم ١٥٠٣، وباب صدقة الفطر على الحر والمملوك، برقم ١٥١١، ومسلم، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين، برقم ١٦ – ٩٨٤.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة، ٣/ ٤١٩، وأخرجه عبدالله بن أحمد في مسألة ٦٤٤، عن حميد وقتادة: «أن عثمان كان يعطي صدقة الفطر عن الصغير والكبير والحمل». وأخرج ابن أبي شيبة، ٣/ ٤١٩، وعبدالرزاق، برقم ٧٨٨، عن أبي قلابة قال: «كانوا يعطون صدقة الفطر، حتى يعطوا عن الحبل»، وفي رواية لأحمد: أن زكاة الفطر عن الحمل تجب. الشرح الكبير، ٧/ ٩٦، وانظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ٩/ ٣٦٦، ٣٦٧، والمغني لابن قدامة، ٤/ ٢١٦، ومجموع فتاوى ابن باز ١٤/ ٢٠١.
1 / 10
وتخرج عن المملوك يخرجها سيده عنه؛ لحديث أبي هريرة ﵁، قال: قال رسول الله ﷺ: «ليس على المسلم في فرسه، ولا في عبده صدقة إلا صدقة الفطر» (١).
سادسًا: وقت إخراج زكاة الفطر:
وقَّت النبي ﷺ وقت إخراج زكاة الفطر في حديث ابن عمر السابق بقول ابن عمر عن النبي ﷺ: «وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة» (٢). أي صلاة العيد. وفي رواية عن ابن عمر ﵄: «وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين» (٣)؛ ولكن الأفضل أن تخرج يوم العيد قبل الصلاة؛ لسد حاجة الفقراء يوم العيد، وإغنائهم يوم العيد عن المسألة.
ولا يجوز تأخيرها بعد الصلاة؛ لحديث ابن عباس ﵄ قال: «فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر طهرةً للصائم: من اللغو، والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي صدقة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات» (٤).
_________
(١) أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب لا زكاة على المسلم في عبده وفرسه، برقم ٩٨٢، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه، ٤/ ٨٢، فقال: «باب الدليل على أن صدقة الفطر عن المملوك واجبة على مالكه، لا على المملوك كما توهم بعض الناس».
(٢) متفق عليه، البخاري، برقم ١٥٠٣، ومسلم، برقم ٩٨٤، وتقدم تخريجه.
(٣) البخاري، برقم ١٥١١، ومسلم، برقم ٩٨٤، وتقدم تخريجه.
(٤) أبو داود، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر، برقم ١٦٠٩، وابن ماجه، كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر، برقم ١٨٢٧، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، برقم ١٦٠٩، وصحيح ابن ماجه، برقم ١٨٥٤، وإرواء الغليل، برقم ٨٤٣.
1 / 11
ولكن زكاة الفطر لا تجب إلا بغروب شمس آخر يوم من رمضان: فمن أسلم بعد الغروب، أو تزوج، أو وُلِد له وَلدٌ، أو مات قبل الغروب لم تلزم فطرتهم (١).
سابعًا: درجات إخراج زكاة الفطر على النحو الآتي:
الدرجة الأولى: جواز تقديم زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين؛ لحديث ابن عمر ﵄، وفيه: «... وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين» (٢)، وفي لفظ للإمام مالك: «أن ابن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة» (٣). قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الإمام عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز ﵀: «ووقتها ليلة عيد الفطر إلى ما قبل صلاة العيد؛ ويجوز تقديمها يومين أو ثلاثة» (٤). وقال شيخنا الإمام عبدالعزيز ابن باز ﵀: «ولا مانع من إخراجه قبله بيوم أو يومين، أو ثلاثة، ولكن لاتؤجل بعد
_________
(١) انظر: الكافي لابن قدامة، ١/ ١٧٠، والروض المربع، وقال الإمام النووي: «قوله: من رمضان» إشارة إلى وقت وجوبها وفيه خلاف للعلماء: فالصحيح من قول الشافعي إنها تجب بغروب الشمس ودخول أول جزء من ليلة عيد الفطر.
والثاني تجب لطلوع الفجر ليلة العيد، وقال أصحابنا: تجب بالغروب والطلوع معًا، فإن ولد بعد الغروب أو مات قبل الطلوع لم تجب، وعن مالك روايتان: كالقولين، وعند أبي حنيفة تجب بطلوع الفجر» شرح النووي على صحيح مسلم، ٧/ ٦٣، وانظر: المقنع والشرح الكبير مع الإنصاف، ٧/ ١١٣.
(٢) متفق عليه: البخاري، برقم ١٥١١، ومسلم، برقم ٩٨٤، وتقدم تخريجه.
(٣) موطأ الإمام مالك، كتاب الزكاة، باب وقت إرسال زكاة الفطر، برقم ٥٥.
(٤) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ٩/ ٣٦٩.
1 / 12
العيد» (١) (٢).
الدرجة الثانية: وقت الوجوب: هو غروب الشمس من آخر يوم من رمضان؛ فإنها تجب بغروب الشمس من آخر شهر رمضان، فمن تزوج، أو ملك عبدًا، أو وُلِد له ولد، أو أسلم قبل غروب الشمس، فعليه الفطرة، وإن كان ذلك بعد الغروب لم تلزمه، ومن مات بعد غروب الشمس ليلة الفطر فعليه صدقة الفطر، نص عليه الإمام أحمد، وبه قال الثوري، وإسحاق، ومالك في إحدى الروايتين عنه، والشافعي في أحد قوليه (٣).
وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في أول وقت الوجوب لزكاة الفطر: «إنما يبدأ من غروب شمس آخر يوم من رمضان، وهو أول ليلة من شهر شوال، وينتهي بصلاة العيد؛ لأن النبي
_________
(١) فتاوى ابن باز، ١٤/ ٢١٦.
(٢) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في تحديد أول وقت لجواز دفع زكاة الفطر، على أقوال:
القول الأول: يجوز تقديمها قبل العيد بيوم أو يومين، وجاء في الموطأ «ثلاثة»، وهذا القول هو الذي عليه الدليل، كما في حديث ابن عمر ﵄ «وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين» متفق عليه، وهذا فيه إشارة إلى جميع الصحابة فكان إجماعًا [المغني، ٤/ ٣٠١].
القول الثاني: قال الإمام ابن قدامة ﵀: «وقال بعض أصحابنا: يجوز تعجيلها من بعد نصف الشهر كما يجوز تعجيل أذان الفجر والدفع من مزدلفة بعد نصف الليل» [المغني، ٤/ ٣٠٠، والشرح الكبير، ٧/ ١١٦].
القول الثالث: وقال أبو حنيفة: يجوز تعجيلها من أول الحول؛ لأنها زكاة، فأشبهت زكاة المال، [المغني، ٤/ ٣٠٠].
القول الرابع: وقال الشافعي: يجوز من أول شهر رمضان؛ لأن سبب الصدقة: الصوم، والفطر عنه، فإذا وجد أحد السببين جاز تعجيلها كزكاة المال بعد ملك النصاب، [المغني ٤/ ٣٠٠]. والقول الأول هو الصحيح، لثبوته في حديث ابن عمر ﵄؛ ولأن سبب وجوبها الفطر بدليل إضافتها إليه؛ ولأن العبادات توقيفية، [المغني، ٤/ ٣٠٠].
(٣) المغني، لابن قدامة، ٤/ ٢٩٨، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، ٧/ ١١٣.
1 / 13
ﷺ أمر بإخراجها قبل الصلاة» (١) (٢).
الدرجة الثالثة: المستحب إخراج زكاة الفطر يوم الفطر قبل صلاة العيد؛ لأن النبي ﷺ أمر بها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى صلاة العيد، كما في حديث ابن عمر ﵄ (٣)، وكما قال ابن عباس ﵄ «فمن أداها قبل الصلاة فهي صدقة مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات» (٤).
الدرجة الرابعة: لا يجوز تأخيرها بعد صلاة العيد على القول الصحيح، فمن أخَّرها بعد الصلاة بدون عذر، فعليه التوبة، وعليه أن يخرجها على الفور، قال العلامة ابن مفلح ﵀: «وفي الكراهة بعدها وجهان، والقول بها أظهر؛ لمخالفة الأمر، وقيل: تحرم بعد الصلاة، وذكر صاحب المحرر أن أحمد ﵀: أومأ إليه، وتكون قضاءً، وجزم به ابن الجوزي» (٥). وقال الإمام عبدالعزيز ابن عبدالله ابن باز ﵀: «الواجب ... إخراجها قبل صلاة العيد، ولا يجوز تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد» (٦).
وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين، ﵀، في تعمد إخراجها
_________
(١) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ٩/ ٣٧٣.
(٢) وقال الليث وأبو ثور، وأصحاب الرأي: تجب بطلوع الفجر يوم العيد، وهو رواية عن مالك، والصواب الذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة: أن أول وقت الوجوب غروب شمس آخر يوم من رمضان، ويجوز تقديمها بيوم أو يومين أو ثلاثة. وانظر: المغني لابن قدامة، ٤/ ٢٩٨.
(٣) متفق عليه: البخاري، برقم ١٥١١، ومسلم، برقم ٩٨٤، وتقدم تخريجه.
(٤) أبو داود، برقم ١٦٠٩، وابن ماجه، برقم ١٨٢٧، وتقدم تخريجه.
(٥) كتاب الفروع، لابن مفلح، ٤/ ٢٢٧.
(٦) مجموع فتاوى ابن باز، ١٤/ ٢٠١.
1 / 14
بعد صلاة العيد: «والصحيح أن إخراجها في هذا الوقت محرم، وأنها لا تجزئ، والدليل على ذلك حديث ابن عمر [﵄: أن النبي] «أمر بها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة» (١) فإذا أخرها حتى يخرج الناس من الصلاة، فقد عمل عملًا ليس عليه أمر الله ورسوله، فهو مردود؛ لقوله ﷺ: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» (٢) بل إن حديث ابن عباس ﵄ صريح في هذا، حيث قال: «من أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات» (٣). وهذا نص في أنها لا تجزئ ...» (٤). وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عندما سئلت عن وقت زكاة الفطر هل يمتد الوقت إلى آخر يوم العيد؟ فبينوا وقتها ثم قالوا: «... فمن أخرها عن وقتها فقد أثم، وعليه أن يتوب من تأخيره، وأن يخرجها للفقراء» (٥). وهذا اختيار شيخ الإسلام وابن القيم (٦) (٧).
_________
(١) متفق عليه: البخاري، برقم ١٥١١، ومسلم، برقم ٩٨٤، وتقدم.
(٢) متفق عليه: البخاري، برقم ٢٦٩٧، ومسلم، برقم ١٧١٨، ويأتي تخريجه إن شاء الله.
(٣) أبو داود، برقم ١٦٠٩، وابن ماجه، ١٨٢٧، وتقدم تخريجه.
(٤) الشرح الممتع، لابن عثيمين، ٦/ ١٧١ – ١٧٢.
(٥) فتاوى اللجنة الدائمة، ٩/ ٣٧٣.
(٦) انظر: حاشية ابن قاسم على الروض، ٣/ ٨٢، والإنصاف، ٧/ ١١٨، وزاد المعاد، ٢/ ٢١.
(٧) قال الإمام ابن قدامة ﵀: «فإن أخرها عن الصلاة ترك الأفضل ... ومال إلى هذا القول عطاء، ومالك ... وأصحاب الرأي ... فإن أخرها عن يوم العيد أثم ولزمه القضاء ... وحكي عن ابن سيرين والنخعي: الرخصة في تأخيرها عن يوم العيد ... واتباع السنة أولى» المغني، ٤/ ٢٩٨، قلت: والصواب أنه لا يجوز تعمد إخراج زكاة الفطر بعد صلاة العيد، كما دلت على ذلك الأدلة المذكورة في المتن.
1 / 15
ثامنًا: مقدار زكاة الفطر وأنواعها:
هو صاع من قوت البلد الذي يأكله الناس، وقد ثبت في حديث ابن عمر ﵄ الذي ذكرته آنفًا أنه قال: «فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر من رمضان صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير ...». وعن أبي سعيد الخدري ﵁ أنه كان يقول: «كنا نخرج زكاة الفطر: صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب». وفي لفظ للبخاري: «كنا نعطيها في زمان النبي ﷺ ...». وفي لفظ لمسلم: «كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله ﷺ زكاة الفطر: عن كل صغير، وكبير، حرٍّ أو مملوك: صاعًا من طعام، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من زبيب، فلم نزل نخرجه حتى قدم علينا معاوية بن أبي سفيان حاجًّا أو معتمرًا، فكلم الناس على المنبر فكان فيما كلم به الناس أن قال: إني أرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعًا من تمر، فأخذ الناس بذلك، قال أبو سعيد: فأما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه أبدًا ما عشت» (١).
وفي لفظ ابن ماجه قال أبو سعيد: «لا أزال أخرجه كما كنت أخرجه على عهد رسول الله ﷺ أبدًا ما عشت» (٢). وفي حديث أبي سعيد زيادات لم أذكرها؛ لأن فيها نظرًا (٣)، أما رأي معاوية ﵁ في أن البر يعدل المد منه
_________
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر صاع من طعام، برقم ١٥٠٦، وباب صاع من زبيب، برقم ١٥٠٨، ومسلم، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين، برقم ٩٨٥.
(٢) ابن ماجه، كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر، برقم ١٨٢٩.
(٣) من ذلك الحنطة، قال الحافظ بعد ذكره لزيادة الحنطة عند الحاكم وابن خزيمة: «قال ابن خزيمة: ذكر الحنطة في خبر أبي سعيد غير محفوظ ولا أدري ممن الوهم ...» ثم نقل الحافظ أن أبا داود أشار إلى أن ذكر الحنطة في خبر أبي سعيد غير محفوظ، وذكر أن معاوية ابن هشام روى في هذا الحديث: نصف صاع من بر، وهو وهم، وأن ابن عيينة حدث به عن ابن عجلان عن عياض فزاد فيه: «أو صاعًا من دقيق» وأنهم أنكروا عليه فتركه، قال أبو داود [القائل ابن حجر]: «وذكر الدقيق وهم من ابن عيينة» فتح الباري، ٣/ ٣٧٣.
1 / 16
المدين من غيره فيجزئ نصف صاع، فقال عنه الحافظ ابن حجر ﵀: «حديث أبي سعيد دال على أنه لم يُوافق على ذلك، وكذلك ابن عمر، فلا إجماع في المسألة خلافًا للطحاوي، وكأن الأشياء التي ثبت ذكرها في حديث أبي سعيد لما كانت متساوية في مقدار ما يخرج منها مع ما يخالفها في القيمة دل على أن المراد إخراج هذا المقدار من أي جنس كان، ولا فرق بين الحنطة وغيرها، وهذه حجة الشافعي ومن تبعه. وأما من جعله نصف صاع منها بدل صاع من شعير فقد فعل ذلك بالاجتهاد» (١).
وقد قال الإمام النووي ﵀: «قوله: عن معاوية أنه كلم الناس على المنبر فقال: إني أرى أن مدين من سمراء الشام يعدل صاعًا من تمر فأخذ الناس بذلك، قال أبو سعيد: فأما أنا فلا أزال أخرجها كما كنت أخرجها أبدًا ما عشت، فقوله: سمراء الشام: هي الحنطة، وهذا الحديث هو الذي يعتمده أبو حنيفة وموافقوه في جواز نصف صاع حنطة، والجمهور يجيبون عنه: بأنه قول صحابي، وقد خالفه أبو سعيد وغيره ممن هو أطول صحبة، وأعلم بأحوال النبي ﷺ، وإذا اختلف الصحابة لم يكن قول بعضهم بأولى من بعض، فنرجع إلى دليل آخر. وجدنا ظاهر الأحاديث، والقياس متفقًا على اشتراط الصاع من الحنطة كغيرها،
_________
(١) فتح الباري شرح صحيح البخاري، ٣/ ٣٧٤.
1 / 17
فوجب اعتماده، وقد صرح معاوية بأنه رأيٌّ رآه، لا أنه سمعه من النبي ﷺ، ولو كان عند أحد من حاضري مجلسه مع كثرتهم في تلك اللحظة علم في موافقة معاوية عن النبي ﷺ لذكره» (١).
وسمعت شيخنا الإمام عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز ﵀ يقول فيمن جعل مُدين من الحنطة تقوم مقام الصاع من غيرها: «اجتهد معاوية فجعل عدله مدين، والصواب أنه لا بد من صاع أخذًا بالنص؛ ولهذا قال أبو سعيد: أما أنا فلا أخرج إلا صاعًا وهو الصواب كما تقدم (٢)، والله تعالى أعلم (٣).
تاسعًا: مقدار الصاع الذي تؤدى به زكاة الفطر هو صاع النبي ﷺ وهو خمسة أرطال وثلث بالعراقي (٤)، وهو أربعة أمداد، والمد ملء كفي الإنسان المعتدل إذا ملأهما ومدّ يديه بهما، وبه سمي مدًّا، قال الفيروزآبادي: «وقد جربت ذلك فوجدته صحيحًا» (٥)، والصاع أربع حفنات بكفي الرجل الذي ليس بعظيم الكفين ولا صغيرهما، إذ ليس
_________
(١) شرح النووي على صحيح مسلم، ٧/ ٦٧.
(٢) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم ١٥٠٧، ١٥٠٨.
(٣) وفي سنن أبي داود، برقم ١٦٢٠، عن ثعلبة بن صعير قال: قام رسول الله ﷺ خطيبًا، فأمر بصدقة الفطر صاع تمر، أو صاع شعير، عن كل رأس. وفي زيادة: «أو صاع بر أو قمح بين اثنين، عن الكبير والصغير، والحر والعبد». وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٤٤٩، وذكر الشوكاني الروايات في نيل الأوطار، ٣/ ١٠٢، التي جاءت في أن نصف الصاع يجزئ، ثم قال: «وهذه تنهض بمجموعها للتخصيص، ولكن سماحة شيخنا ابن باز ﵀ يرى أن جميع الكفارات: الإطعام فيها يكون نصف صاع، أما زكاة الفطر فقد حددها النبي ﷺ بصاع».
(٤) الدارقطني، ٢/ ١٥١، والبيهقي، ١٠/ ٢٧٨، قال الشوكاني في رواية البيهقي: «بإسناد جيد» نيل الأوطار، ٣/ ١٠٤، وانظر: المغني، لابن قدامة، ٤/ ٢٨٧.
(٥) القاموس المحيط، ص ٤٠٧.
1 / 18
كل مكان يوجد فيه صاع النبي ﷺ،قاله الداوودي (١). قال الفيروزآبادي: «وجربت ذلك فوجدته صحيحًا» (٢).
قال شيخنا ابن باز ﵀ في تحديد مقدارالصاع: «ومقداره أربع حفنات بملء اليدين المعتدلتين من الطعام اليابس، كالتمر، والحنطة، ونحو ذلك، أما من جهة الوزن فمقداره أربعمائة وثمانون مثقالًا، وبالريال الفرنسي ثمانون ريالًا فرانسه؛ لأن زنة الريال الواحد ستة مثاقيل، ومقداره بالريال العربي السعودي [الفضي] مائة واثنان وتسعون ريالًا، أما بالكيلو فيقارب ثلاثة كيلو، وإذا أخرج المسلم من الطعام اليابس: كالتمر اليابس، والحنطة الجيد، والأرز، والزبيب اليابس، والأقط بالكيل، فهو أحوط من الوزن» (٣).
وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: «المقدار الواجب في زكاة الفطر عن كل فرد صاع واحد بصاع النبي ﷺ، ومقداره بالكيلو ثلاثة كيلو تقريبًا» (٤).
عاشرًا: أهل زكاة الفطر الذين تدفع لهم: الفقراء والمساكين
قيل: تعطى صدقة الفطر لمن يجوز أن يعطى صدقة الأموال؛ لأن صدقة الفطر زكاة فكان مصرفها مصرف سائر الزكوات؛ ولأنها صدقة فتدخل في عموم قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ
_________
(١) المرجع السابق، ص ٩٥٥.
(٢) القاموس المحيط، ص ٩٥٥، وانظر: فتح الباري لابن حجر، ١١/ ٥٩٧، وفتاوى اللجنة الدائمة، ٩/ ٣٦٥.
(٣) مجموع فتاوى ابن باز، ١٤/ ٢٠٤ – ٢٠٥.
(٤) فتاوى اللجنة الدائمة، ٩/ ٣٧١.
1 / 19
وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ الله وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (١) (٢).
وقيل: لا يجوز دفع زكاة الفطر إلا لمن يستحق الكفارة، فتجري مجرى كفارة اليمين، والظهار، والقتل، والجماع في نهار رمضان، ومجرى كفارة الحج، فتدفع لهؤلاء الآخذين لحاجة أنفسهم، وهم الفقراء والمساكين، ولا يعطى المؤلفة قلوبهم، ولا الرقاب ولا غير ذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: «وهذا القول أقوى في الدليل» (٣). وقال ﵀: «ولا يجوز دفع زكاة الفطر إلا لمن يستحق الكفارة، وهو من يأخذ لحاجته لا في الرقاب، والمؤلفة قلوبهم وغير ذلك» (٤).
وقال الإمام ابن القيم ﵀: «وكان من هديه ﷺ تخصيص المساكين بهذه الصدقة، ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية قبضة قبضة، ولا أمر بذلك، ولا فعله أحد من أصحابه، ولا من بعدهم، بل أحد القولين عندنا: أنه لا يجوز إخراجها إلا على المساكين خاصة، وهذا القول أرجح من القول بوجوب قسمتها على الأصناف الثمانية» (٥).
وقال الشوكاني ﵀ عن حديث ابن عباس ﵄ وفيه:
_________
(١) سورة التوبة، الآية: ٦٠.
(٢) انظر: المغني لابن قدامة، ٤/ ٣١٤، قال: وبهذا قال مالك، والليث، والشافعي، وأبو ثور، وقال أبو حنيفة: يجوز دفعها إلى من لا يجوز دفع زكاة المال إليه، وإلى الذمي».
(٣) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ٢٥/ ٧٣.
(٤) الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص ١٥١.
(٥) زاد المعاد في هدي خير العباد، ٢/ ٢٢.
1 / 20
«وطعمة للمساكين ...» (١).
«وفيه دليل على أن الفطرة تصرف في المساكين دون غيرهم من مصارف الزكاة» (٢). وقال العلامة ابن عثيمين ﵀ في ذكر القولين: «هناك قولان لأهل العلم: الأول أنها تصرف مصرف بقية الزكوات، حتى المؤلفة قلوبهم والغارمين ... والثاني أن زكاة الفطر مصرفها للفقراء فقط، وهو الصحيح» (٣). وقال الإمام عبدالعزيز ابن عبدالله ابن باز ﵀: «زكاة الفطر شرعها الله مواساةً للفقراء والمحاويج، وطعمة للمساكين» (٤). وقال في موضع آخر: «ومصرفها الفقراء والمساكين» (٥). ويجوز دفع زكاة الفطر عن النفر الواحد لشخص واحد، كما يجوز توزيعها على عدة أشخاص» (٦).
الحادي عشر: حكم دفع القيمة في زكاة الفطر:
قال الإمام ابن قدامة ﵀: «ولا تجزئ القيمة؛ لأنه عدول عن المنصوص» (٧) (٨). قال الإمام عبدالعزيز ابن عبدالله ابن باز ﵀: «ولا يجوز
_________
(١) أبو داود، برقم ١٦٠٩، وابن ماجه، ١٨٢٧، وتقدم تخريجه.
(٢) نيل الأوطار للشوكاني، ٣/ ١٠٣.
(٣) الشرح الممتع ٦/ ١٨٤، وانظر: الإنصاف مع الشرح الكبير، ٧/ ١٣٧.
(٤) مجموع فتاوى ابن باز، ١٤/ ٢١٥.
(٥) المرجع السابق، ١٤/ ٢٠٢.
(٦) المغني لابن قدامة، ٤/ ٣١٦، ومجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ٩/ ٣٧٧، وكتاب الفروع لابن مفلح، ٤/ ٢٣٩.
(٧) الكافي لابن قدامة، ٢/ ١٧٦، والمغني، ٤/ ٢٩٥.
(٨) ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه لا يجوز دفع القيمة؛ لأنه لم يرد نص بذلك؛ ولأن القيمة في حقوق الناس لا تجوز إلا عن تراضٍ منهم، وليس للصدقة مالك معين حتى يجوز رضاه أو إبراؤه.
وذهب الحنفية إلى أنه يجوز دفع القيمة في صدقة الفطر [الموسوعة الفقهية، ٢٣/ ٣٤٤].
1 / 21