وقال أبو دلف العجلي:
إذا لم تصن عرضًا ولم تخش خالقًا ... وتستحي مخلوفًا فما شئت فاصنعِ
وقد أكثر الشعراء من هذا النحو.
ثانيهما أن يحمل الأمر على بابه، أي إذا كنت في فعلك آمنا أن تستحي لجريك على اسنن وليس من الأفعال التي يستحي منها، فافعل؛ وإلاّ فلا. وهذا قانون كلي، وهو مثل ما في الحكمة: إياك وما يعتذر منه.
إذا نزل بك الشر فاقعد
هذا مثال مشهور معناه: إذا رأيت شرا مقبلا، وهولا حاصلا، وفتنة ثائرة، فتربص وتأن، واحلم ولا تسارع، ولا تستهدف ولا تستشرف. وفي الحديث في ذكر الفتنة: من يستشرف لهل تستشرفه.
إذا نزل القضاء عمي البصر:
هذا يتمثل به أيضًا. والمعنى أن ما قضى الله تعالى فهو كائن، وما قدره فهو واقع، لا ينجي منه الحذر، ولا نظر البصير. يحكى أن نافعا سأل أبن عباس ﵁ فقال له: سليمان ﵇، مع ما خوله الله تعالى من الملك، كيف عني بالهدهد مع صغره؟ يعني حيث تفقد الطير فسأل عن الهدهد وقال: لأعذبنه أو ليأتيني بسلطان مبين. فقال أبن عباس: إنه احتاج إلى الماء والهدهد كانت له الأرض كالزجاج فقال نافع: قف يا وقاف! كيف يبصر الماء من تحت الأرض، ولا يرى الفخ إذا عطي له بقد إصبع من التراب؟ فقال أبن عباس: إذا نزل القضاء عمي البصر. وقال أبو عمر الزاهد في هذا المعنى:
إذا أراد الله أمرًا بأمرءٍ ... وكان ذا عقلٍ ورأيٍ وبصر
وحيلةٍ يفعلها في دفع ما ... يأتي بهِ محتومُ أسبابِ القدر
غطى عليهِ سمعهُ وعقلهُ ... وسلهُ من ذهنه سلَّ الشَّعر
حتى إذا نفذَ فيه حكمهُ ... ردَّ عليه عقلهُ ليعتبر