أما التطور في التفكير والفهم، على العموم، فيكفي في بيانه فرق النظر بين تشريح الجثث بين أمس واليوم، فقد روى الطالب أن أحد التلامذة يوما ما، قدم عريضة إلى كلوت بك وهجم عليه بينما كان يقرؤها وضربه بالخنجر على رأسه فأخطأه، ثم رجع وضربه في صدره فتلقاه في زنده، وأخيرا مسكوا هذا الخائن، وذلك بسبب التشريح.
قال: «إن معلم التشريح في ذلك الوقت كان رجلا نمساويا، فمات أحد الخصيان من دائرة أحمد باشا في الاسبتالية، فأشهروا الخبر أن المعلم شرحه، فابتدروا يترصدون معلم التشريح لأجل إلحاق الضرر به، ففي ذات يوم وهو راجع ليلا إلى منزله مار بقرب السرايا، وجده اثنان من الخصيان فسألاه إذا كان يعرف معلم التشريح الذي شرح رفيقهما، فأجابهما: نعم أعرفه، ماذا تريدان منه؟! فقالا: إنه شرح رفيقنا، مرادنا أن نشرحه مثله. فقال: اتبعاني وأنا أدلكما عليه. فمشى إلى أن وصلا إلى داره، فدخلها وعرف اسمهما وقفل الباب وراءه، وفي اليوم التالي أخبر عنهما فعوقبا.»
ثم عقب صاحب المذكرات على الخبر قائلا: «وكذلك كان المصبرون زمن الفراعنة عند المصريين مكروهين، وكانوا يرجمونهم بالحجارة ويخلصون من القتل بصعوبة، مع أنها عملية دينية.»
لا شهادة للمصريين
ومن أطوار الزمن أن شهادة الطب كانت تسلم إلى الطلاب الشرقيين إذا أتموا دراستهم، ولا شهادة للطلاب المصريين!
قال صاحب المذكرات: «وبعد الامتحان النهائي - أي بعد درس ست سنوات - تعطى الشهادة إلى تلامذة الشوام فقط ولا تعطى للمصريين؛ لأن هؤلاء يبقون في المدرسة بعد آخر فحص فتخبر عنهم عمدة المدرسة مجلس الصحة، وهذا يعينهم بالمأموريات اللائقة بهم ولو لم تكن بيدهم الشهادة؛ وذلك لأجل حصرهم في مصر بحيث لا يمكنهم مغادرتها؛ لأن الحكومة علمتهم مثل عسكرية، فلو هرب أحدهم إلى البلاد الغربية لا تمكنه المعيشة بلا شهادة.»
وهذا نص «شهادة الشوام»، على حد تعبير الطالب النجيب الذي نقلها بحرفها وهي كما يلي:
حمدا لمن أعاد لمصر رونقها الأول بهمة عالي الهمة، الألمعي النبيه، من اقتدى في نشر المعارف والمنافع بجده وأبيه، أفندينا ولي النعم ذي الفضل الجزيل، خديو مصر وعزيزها؛ إسماعيل، حفظه الله وأبقاه، وأدام توفيقه وشكر مسعاه؛ فإنه جدد فيها أنواع المدارس، وأحيا كل علم رميم ودارس، فمن جملة هذه المدارس الجزيلة وأعظمها نفعا، المدرسة الطبية التي أشرق في المشرق نورها حتى اهتدى بها كل قاص ودان، وأتاها القاصدون من أقاصي الأقطار والبلدان، وكان ممن سعى إلى هذه المدرسة المنيفة رغبة في تعلم صنعة الطب الشريفة، الفطن اللوزعي الأديب والشاب النبيل ؛ شاكر أفندي الخوري ابن يوسف أفندي الخوري، أحد أعضاء المجلس الكبير في جبل لبنان ...
ويلي ما تقدم بيان مفصل للدروس التي حضرها، وأسماء الأساتذة الذين حضر عليهم وتوقيعاتهم واحدا واحدا شهودا بصحة ما جاء فيها من ذلك البيان، ثم يلي توقيعاتهم إقرار من «رئيس مجلس عموم صحة مصرية» يقول فيه:
نظرت هذه الشهادة الممهورة بأختام حضرات خوجات المدرسة الطبية بمجلس عموم الصحة المصرية، مصدقا عليها من سعادة ناظر ديوان المدارس والأوقاف، ولأجل اعتمادها بمحل اللزوم لزم الشرح منا.
Shafi da ba'a sani ba