الديالكتيك - باعتباره أعمق نظرية للتطور - ليس تأكيد النظرة المجردة عن «أن كل شيء يتطور»، وإنما جوهره هو تبيان أن المحرك الجوهري للتطور هو صراع الأضداد في وحدتها ... فمتى كان هناك صراع للأضداد كان هناك تطور، وإذا لم يكن هناك صراع للأضداد فلن يكون هناك تطور، وإنما سكون وثبات وعدم تغير. ومن المؤكد أن
الديالكتيك ... يؤكد شمولية صراع الأضداد، وبالتالي يؤكد شمولية التطور ... ولكن الشمولية (المطلقة) لصراع الأضداد وللتطور يوجد في داخلها أيضا - وعلى العكس - تماثل (نسبي) للأضداد، وفي هذه الحدود يوجد غياب (نسبي) للتطور؛ أي يوجد عدم تغير ... إن المعرفة تتطور إلى الحد الذي لا توجد فيه تناقضات بين الواقع الموضوعي وانعكاسه الواعي؛ أي بين التطبيق والنظرية. لكن لهذا السبب على وجه التحديد، تتطور المعرفة، وهي تقترب من الواقع الموضوعي بأن تعكسه بطريقة دقيقة في حدود معينة؛ وبالتالي فإنه في هذه الحدود يوجد تناقض بين هذه المعرفة وبين الجانب المتعلق بها من الواقع؛ ومن هنا فإننا نتحدث عن معرفة حقيقية بشكل مطلق، معرفة متكاملة ليس لديها حركة تمضي بها إلى ما هو أبعد.
لكن الأمر لا يتعلق بمعرفة حقيقية في حدود معينة فقط؛ ذلك لأن الواقع لا حدود له وهو دائم التغير؛ ولهذا السبب فإن حركة المعرفة لا تقتصر على العملية التي تحدثنا عنها. إنها حركة مزدوجة ... فمن ناحية يوجد بين المعرفة التي لا تزال غير دقيقة وبين الواقع الموضوعي تناقض يمكن التغلب عليه بتصحيح الأخطاء، وبالتقدم من الجهل إلى المعرفة، ومن المعرفة التي لا تزال غير دقيقة إلى المعرفة الصحيحة على الإطلاق. ومن ناحية أخرى نجد أنه بينما قد وصلت المعرفة إلى الحقيقة المطلقة في حدود معينة فإنه يتبقى مع هذا تناقض بين الحقيقة المطلقة ولكن المحدودة، وبين الواقع الموضوعي الذي لا حدود له والمتحرك دائما، وهو تناقض لا يمكن حله إلا بتخطي حدود تلك الحقيقة المطلقة والمتحققة، وذلك عن طريق التوصل إلى حقائق جديدة مطلقة تحتل الحقيقة المطلقة السابقة في أحضانها مكانا وتكتسب معنى جديدا أكثر ثراء. وبإيجاز نقول إنه تناقض تحله عملية لا نهائية من الناحية الرئيسية للمعرفة في مجملها.
إن المعرفة، في مجملها، لا تكتمل أبدا. غير أن هذا صحيح فقط بالنسبة للمعرفة في مجملها؛ ذلك لأن مجمل المعرفة يتكون بدقة بواسطة المعروفات المحددة والتي يوجد فيها شيء ما مطلق مكتمل غير قابل للتغيير في حدود معينة. إن «الديالكتيك» لا يؤكد هذا الأمر بل يستلزمه.
وعلى هذا ... يبدأ الانحراف العقائدي من اللحظة التي يحدث فيها الفصل بين الدفاع الدائم عن الحقائق المطلقة المتضمن في
الماركسية ، وبين الجهد الدائم من أجل تخطي حدود هذه الحقائق المطلقة عن طريق التحليل المحدد للظروف المحددة الجديدة باستمرار ... (مثلا لا عقائدية في الدفاع عن حقيقة أن
الإمبريالية
عدوانية بطبيعتها. وإنما تبدأ العقائدية من نقطة إهمال تحليل موقف محدد تنطبق فيه هذه النظرة المطلقة والنهائية في حد ذاتها، ورفض رؤية أنها لم تعد تعني اليوم ما كانت تعنيه منذ خمسين سنة، ألا وهو أن الحرب حتمية ولا مفر منها. وعلى العكس هناك عقائدية في النظرية الجديدة التي تزعم على أساس ذاتي أن التناقض الرئيسي هو بين
الإمبريالية
وحركات التحرر الوطني).
Shafi da ba'a sani ba