Ranar da Shaidan ya Mutu
يوم مات الشيطان
Nau'ikan
لاحظوا البسمة مرسومة على شفتي والدهم، لم يكن هناك ثمة جرح في جسده. ألبسوه ثوبه ثم حملوه إلى خارج البيت ليسعفوه. وجدوا سيارتهم مقلوبة .. إطاراتها نحو الأعلى .. الشارع خال من المارة ومطمور بالحصى والأتربة. كانت العيون المرعوبة تشاهد المنازل التي حولها، وقد سقطت نوافذها. بعضها في وضع مائل والسكان يهرعون بالخروج منها. بعضهم شبه عراة، نساء حاسرات الرءوس دون عباءات. كل يجري لينجو بنفسه كأنه يوم القيامة. نصف ساعة من الانتظار وأسرة مروان في كرب عظيم، أوقفوا سيارة مسرعة لنقل البضائع، وأسعفوا والدهم على متنها إلى المستشفى .. والبسمة لا تفارق شفتيه، كأنه في حلم جميل.
لم يبال السائق بصوت حميدة، وهي تطلب منه ألا يسرع بسيارته، وهي تهتز حين تعبر على الأحجار الصغيرة المتناثرة، تغطي مساحات واسعة من الشوارع المسفلتة، لم يلتفت لأناس يكسوهم الغبار، كأنهم خرجوا من الأجداث، وهم يشيرون إليه لينجو بهم؛ خوفا من سقوط قنابل عشوائية على المنطقة. وهناك بعض الجثث ملقاة في الشارع، أغلبها بجوار حيطان المنازل؛ نتيجة لارتطامها بها. قوافل نزوح السكان إلى خارج المدينة على سياراتهم، وآخرون راجلون يحملون أطفالهم. والمعركة مشتعلة بين الحوثيين والمدافعين عن صنعاء.
وصلوا المستشفى، وهناك شقوا الزحام عند الباب. وضعوا مروان على سرير المعاينة، ثم حضر الطبيب متأخرا. أثناء فحص مروان كان الدكتور تبدو عليه علامات التعجب! سمع قلبه لا يزال ينبض رغم تنفسه البطيء، تبين أنه سليم من الناحية العضوية، ثم أجرى له فحوصات أخرى، وتبين أنه لا يعاني من جلطة أو نزيف في الدماغ، التي تؤدي إلى غيبوبة. أمر بنقله إلى غرفة الإنعاش لتزويده بالأكسجين. ابتسم الطبيب وقال: «لا تخافوا! سيبقى تحت العناية المركزة لمراقبة تنفسه.»
أغلق علي ومعاوية السوبر ماركت، وأسرعا إلى المستشفى، لم يجدا سيارة أجرة، فركبا مع الآخرين إحدى سيارات النقل العام، تنقل الراجلين العالقين في الشوارع حسب وجهتها مجانا، يريدون العودة إلى منازلهم البعيدة. توقفت شبكة الهاتف، خلت الشوارع من المارة، أغلقت الدكاكين والمحلات أبوابها هربا من المعارك.
مر علي ومعاوية بشارع الستين بجانب طابور طويل من السيارات، تقف منذ ثلاثة أيام أمام محطة الوقود للتزود بالبترول، وقد لاذ أصحابها بالفرار وغادروا إلى منازلهم، وكان هناك آخرون يفرون من منازلهم التي بنيت عشوائيا عرض جبل عطان الجهة الشرقية، مقابل شارع الستين. النساء يهرعن نزولا من الجبل، لم يلبسن عباءاتهن، إلى داخل مدرسة في أسفل الجبل؛ خوفا من تهدم منازلهن من سقوط القذائف عليها.
وصل علي ومعاوية إلى المستشفى للاطمئنان على والدهما. شقا زحمة المترددين ليصلا إلى الباب، وكان هناك رجل يصيح: «لقد مررت بابني خمسة مستشفيات، وكلها ترفض استقباله، ليس لديهم غرف عناية مركزة كافية. أرجوكم أنقذوا ابني!» استقبل المستشفى الحالات التي يمكن أن يتركوها في الممرات. دخل معاوية إلى غرفة العناية، فرأى أباه مستلقيا على السرير والبسمة على شفتيه.
حضر منير خطيب فاطمة يستقل دراجة نارية؛ ليزور مروان في المستشفى وبقي بجانب أسرته يواسيها. كان يرشق فاطمة بنظرات العطف والحب معا. كان قد أكمل تأثيث منزل الزوجية، وقد تأخر زواجهما ثلاث سنوات. اقترب من فاطمة ورأى عيني حبيبته تفيضان بالدموع. بقي مع الأسرة في المستشفى حتى الساعة الثامنة مساء. ثم عاد إلى منزله يلعن الحرب التي وقفت في طريق حبه، ولولا مثابرته في العمل لكان سرح من عمله في القطاع الخاص كما سرح الكثيرون.
3
حينها كان مروان في عالمه الفردوسي يشاهد النجوم ومواقعها، شاهدها كما كان يشاهدها في حياته، مما يدل على أن الجنة في الأرض، أو أنها قريبة منها. رأى أغصان الأشجار تترنح، فعرف أن هناك عاصفة مقبلة، ثم أعقب تلك العاصفة مطر غزير. حاول في البدء أن يبقى بجانب جذع الشجرة ليحتمي من المطر. مد يده تحت قطرات المطر، فلم يشعر بها. مشى تحت وابل المطر، يحدث نفسه: «لم يخبرنا أحد عن وجود أمطار في الجنة، بل أنهار من عسل ولبن، أظنني سأجدها فيما بعد.» شاهد أشجار نخيل يتدلى منها رطب كبيرة الحجم، سقطت إحداها أمامه، وطفت على الماء، قدر وزن الثمرة بما يقارب ربع كيلو. شاهد الشمس تميل للغروب. حدث نفسه: «هل تسقط الصلاة في الجنة؟ كيف يعبد المرء ربه وهو روح دون جسد؟!» داهمه الليل فنام في البستان.
استيقظ في منتصف الليل، رأى القمر فيه منطقة صغيرة كروية الشكل بلون أخضر، عليها حمامة تفرد جناحيها، وفي فمها زهرة اللوتس. حدث نفسه: «هذا القمر يشبه قمر الأرض.» ثم ذهب في غفوة تحت الشجرة، وعاد المطر ينهمر دون أن يشعر به.
Shafi da ba'a sani ba