Ranar da Shaidan ya Mutu
يوم مات الشيطان
Nau'ikan
أبدى مروان غضبه وتغيرت ملامحه، فخاف الموظف وعاد إلى الخلف، ورجح أن كريم فعلا مجنون، فالغضب سلوك جنوني لم يعد له وجود، كغيره من أمراض العصور الهمجية .. قال الموظف وهو مرتبك: حقا إنه يعاني من مرض جديد نقل من كوكب آخر.
تحدث مروان بصوت عال قائلا بأنه غير مريض، ولماذا يستغربون من اسمه، وبأن أباه كان يرعى الأغنام في «الأعروق» منطقة الحجرية، وما العيب في ذلك؟! يحدث نفسه: «لماذا هذا العالم يسخر مني؟ أظنهم يرونني قردا مسليا في نظرهم. لا أحب أحدا أن يسخر مني ولو كنت في الفردوس.» ومما أغضب مروان أكثر حين أخبره الموظف أنه سيشفى من مرضه. كتم غضبه، وسأل النسوة والحزن يبدو واضحا على وجوههن: في أي زمان أنا؟! - غير معقول ما تقوله يا كريم! هل نسيت حتى التاريخ. نحن في 5/ 1 /300ب.ج. - ما هذا التاريخ؟! أكاد أجن. - نحن في بداية القرن الثالث بعد «الإنسان الجديد». - إنسان جديد؟! وما هذا التاريخ؟! - نحن في القرن السادس والعشرين الميلادي.
ذهل مروان مما سمعه، وهو يحدث نفسه كالمعتوه: «القرن السادس والعشرون الميلادي .. وكنت قبل ستة أيام في القرن الواحد والعشرين .. هل أنا أحلم ، وما كل ما يدور حولي سوى حلم جميل؟» ضرب رأسه بيده بقوة وشعر بالألم، وقال بصوت مرتفع: «أنا لست أحلم، أظنني في حالة رؤيا للمستقبل. شعر بعدم قدرته على التركيز، وتشوشت عنده الرؤية. أخذت إحدى النسوة تهزه وأخرجته ما هو فيه.»
2
توجهوا جميعا إلى قسم الأمراض الطارئة في المستشفى. كان معظم الطاقم الطبي من الرجال، ترأسهم البروفيسور «ماري حنان الذماري»، في علم السلوك البشري، تبدو أكبرهن في السن. فرح مروان لكثرة الرجال هناك. وقف أمام الطبيبة، وقامت هي من مكتبها مندهشة من شعره النابت في ساقيه وصدره ووجهه، وهي تحدث نفسها: «من أي كهف خرج هذا الرجل؟!» أخبرتها إحدى النسوة بلغتهم الغريبة عن مروان بخوف وقلق بالغين، إن شريكهن كريم نورين فقد ذاكرته وانتحل شخصية أخرى، يدعي أن اسمه مروان، وتغير سلوكه. أصبح يغضب، نهم على الأكل، قوي غير كريم الذي يعرفنه، ويريد أن يستخدم الأسلوب الهمجي عند اللقاء الحميمي.
نقلته الدكتورة فورا إلى غرفة العزل، واستدعت الدكتور «فرنر» للكشف عليه. وقف مروان أمام الدكتور فرنر، الذي راح ينظر إليه من رأسه حتى أخمص قدميه، ثم خرج فرنر خلال دقيقة بتقرير يثير الدهشة: هذا الرجل ليس كريم نورين، جيناته تختلف تماما عن جينات كريم. ليس فيه أثر لتلقيح الأديان، عضلاته قوية، فيه طاقة جنسية هائلة، نرجسيته في أعلى مستوى لها، كروموسوم وأي المذكرة خمسة وتسعون في المائة نشطة. فيه طفيليات وفيروسات وميكروبات، كانت في إنسان القرن الثالث ق.ج، أي إن عمره خمسمائة وستون عاما.
اندهش الجميع، وكذلك مروان، من تقرير الدكتور فرنر عن عمره الخرافي، وظنوا أنه أخطأ في تقدير عمره، وأخذت البروفيسور تسأل النسوة بخوف: «هل مارس معكن التلقيح؟!» أخبرنها أنهن لم يخالفن نظام التلقيح لحياة جديدة مع شريكهن. شعرت ماري بقلق، وأخبرت النسوة بضرورة الإسراع في تلقيح مروان بلقاح هذا العصر. تحدث نفسها: «يا لعجب الطبيعة! كيف بقي هذا الرجل على قيد الحياة طوال هذه المدة؟! ثقتنا كبيرة بتشخيص الدكتور فرنر، ولو أنه خرج بتقرير غير مألوف لدينا للغاية!»
طرأت فكرة على البروفيسور في الكشف عن ذاكرة مروان؛ لتعرف ماذا فيها من أحداث مرت عليه، وليكون هناك التشخيص الحاسم بالأمر. حقنته بحقنة تنشيط الذكريات .. ووضعت حول رأسه أقطابا كهربائية عديدة، تؤدي إلى جهاز نسخ الذاكرة. استرخى مروان وهو بين اليقظة والسبات، وبقي يستعيد سجل ذاكرة حياته كلها .. كانت البروفيسور والنسوة يشاهدن وهن في حالة من الدهشة، ما سجله جهاز الذاكرة من ذكريات مروان التي تعرض على شاشة كبيرة، والدكتور فرنر يقف بجوارهن مبتسما.
شاهدوا مدينة قاحلة، بنايات بدائية، شوارع ضيقة، تزحف فيها مركبات قديمة كالديدان، تنفث دخانا وغبارا هنا وهناك، جبالا مجدبة، قطيعا من الخراف يمشي في الشارع، أكوام قمامة، أعمدة الكهرباء وخطوطها المعلقة في الهواء، نساء يمشين بعباءات سوداء وهن ملثمات، أناسا في تجمع كبير، تمضغ أوراقا خضراء، وخدودهم منتفخة. بعض الرجال يمشون هنا وهناك، يحملون أسلحة عتيقة وحول الخاصرة حزام عريض مثبت فيه خنجر. شاهدوا بقرا، حميرا، جمالا، طيورا .. مما أخافهن وأفزعهن هو مناظر بشعة لانفجارات ودخان في أماكن عديدة في المدينة، أناس يضعون أيديهم على رءوسهم وهم يصرخون خوفا. ثم شاهدن أحداثا سريعة حدثت في بيت مروان هو وأسرته وفي سوبر ماركت، وأناسا تتحدث عن الحرب، استقالة الحكومة. سمعن رجلا يحدث مروان عن محاصرة الرئيس، وهروبه من منزله المحاصر في صنعاء إلى عدن ...»
كانت البروفيسور في غاية الدهشة، أخبرت النسوة بحزن لما شاهدته عن عالم مروان الذي أتى منه بأن ما شاهدوه ليس إلا ذكريات مروان الحديثة. ثم شاهدن خياما منصوبة في شارع ضيق، امتدت إلى مسافة طويلة، وجموعا غفيرة، نساء ورجالا يمشون بين الخيام. شاهد أناسا يقفون على منصة يتحدثون، وهتافات عالية: «ارحل، ارحل .. الشعب يريد إسقاط النظام»، وجموعا غفيرة تزحف في الشوارع، وتصطدم بقوات عسكرية، قنابل دخانية تتساقط عليهم، وخراطيم المياه وهي تسلط على الجماهير، وهم يهتفون: «الشعب يريد إسقاط النظام، ارحل ...» كان هناك إطلاق رصاص، و«موترات سياكل» تنقل العديد من الجرحى.
Shafi da ba'a sani ba