81

Ranar Musulunci

يوم الإسلام

Nau'ikan

يكاد يكون للشرقيين عنصر خاص ينقص غيرهم وهو الإحساس الديني العميق الذي يلازمهم حتى في أوقات خروجهم عن الدين، ولذلك كثيرا ما يعقب المعصية تنبه الضمير الديني والمبالغة في التوبة والندم. إنهم يؤمنون في كل حركاتهم وسكناتهم وتصرفاتهم بإله يسيرهم وقدر يتحكم فيهم.

قد يأتي على الشرق زمن تفسد فيه عقيدته، ويسوء تصرفه، وتنحط مشاعره؛ فتصدر عنه أعمال خسيسة لا تصدر عن الغرب المادي، ولكن هل يصح أن نعد هذا العارض إفسادا للذاتية وفقدا للخاصية، أو نعده حاسة أصيبت بآفة مع الرجاء في شفائها، أو جسما أصابه المرض وفيه حصانة تبشر بالشفاء؟ ولو حكمنا بالظاهر لقلنا إن مادية سليمة تخضع للعقل، وتنجح في الحياة، وتسيطر على العالم خير من روحانية فسدت، ومبادئ قوية تعفنت، ولكن ليس هذا إنصافا في الحكم؛ فما نتيجة هذه المادية الناجحة؟! إنها مدنية روعت العالم، وجعلته على بركان يوشك أن ينفجر، وهو كل يوم في اختراع جديد يهدد العالم بالفناء، فما نتيجة القوة إذا كانت محطمة، وما قيمة القصر المزوق إذا ساد سكانه الفزع؟! ولو أنك سألت أسرة أوروبية: هل تفضل أن تعيش عيشة بذخ وترف وتفقد أبناءها في الحروب، أو تعيش عيشة وسطا ولا يهلك أحد منها في حرب فما الذي كانت تفضل؟! إنى لفي شك من قيمة المدنية الغربية إذا نحن قسنا ما أنتجته للعالم من شرور بما أنتجته للعالم من خيرات. فما قيمة آلات وأدوات ومخترعات بجانب أرواح تحصد، وطمأنينة تفقد، واستغلال قليل من الناس للكثرة الغالبة من العالم، يرهقونهم ويسومونهم سوء العذاب؛ وذلك لأنهم قالوا:

إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين .

ولو آمنوا بالبعث، وضمنوا إلى دنياهم آخرتهم، وقدروا أنهم سيقفون أمام الله يسألهم عن أعمالهم؛ لكانت المدنية غير المدنية، ولكانت مدنية مادية روحانية معا، وهذا ما ينقصها، ولا يصلح العالم إلا بها، وإذ ذاك يكمل الغرب نقصه فيزيد في روحانيته، ويكمل الشرق نقصه فيزيد في ماديته، ويسير الركبان جنبا إلى جنب لخير العالم وإسعاده.

ما الغاية من هذا العالم؟! ما سر الحياة؟! لماذا نعيش ولماذا نموت؟ ما موقفنا بعد الموت؟!

كل هذه ونحوها من عشرات الأسئلة لا يستطيع العلم أن يجيب عنها؛ إذ ليست من الأمور المادية وأشباهها التي تدخل في اختصاص العلم، إنما هي من الروحانيات التي لا يستطيع الإجابة عنها إلا الدين. لقد بلغ العلم درجة كبيرة في المدنية الغربية، ولكنه لم يفعل أكثر من تحسين وسائل الحياة، أما صبغ الحياة لتتفق مع الغاية التي يجب أن تنشد فوظيفة الدين، وكلما اقتصرت المدنية الحديثة على الوسائل دون الغايات ضلت السبيل، ووقعت في الحيرة والاضطراب، وسببت هذا الشقاء المفضض بالنعيم.

لقد جرب العالم الأوروبي التقدم المادي بل والتقدم العقلي من علم ومخترعات، حتى توجت هذه بالقنبلة الذرية، ولكنهم مع ذلك التفتوا فرأوا أن النتيجة قلق، واضطراب، وخوف من المستقبل، وتوقع لقيام حرب عالمية تأكل الأخضر واليابس، فلم يبق إلا أن يجربوا التجربة الأخيرة، وهي الدين الصحيح بما يبعث من روحانية، وأن يحيوا القلب كما أحيوا العقل، وأن يتوجهوا إلى الله كما توجهوا إلى المخترعات؛ فإذ ذاك فقط تسود الطمأنينة، ويسود الأمن، وتنقشع الحيرة والاضطراب. بل ربما عدمت الحروب أيضا؛ إنهم إذا آمنوا هذا الإيمان التفتوا فوجدوا زعماءهم الحاضرين غير صالحين؛ لأنهم عباد مادة فقط، وهم يحتاجون إلى زعماء من جنس آخر، تسيرهم المادة والروحانية معا؛ وإذ ذاك أيضا تفنى نظرتهم الاستعمارية، وينظرون إلى الشرق نظرة الأخ الكبير إلى الأخ الصغير، يربيه أحسن تربية، ويأخذ بيده ويحفظ عليه ماله حتى يرشد، ثم يتعاون معه على الخير.

وخالق العالم خلقه مادة وروحا، فكان من الطبيعي ألا يسعد إلا إذا غذي العنصران واكتمل المنهجان.

وقد اتهم الإسلام أنه يحمل أصحابه على عدم مسايرة المدنية الحديثة والتقدم الاجتماعي، ولكن أي شيء فيه يمنع التقدم؟!

كتب كاتب إنجليزي وهو مستر د. ج. كوريت مقالا في بعض الجرائد الإنجليزية عربته جريدة المؤيد، قال فيه: إن إنجلترا أكبر دولة إسلامية؛ لأن المسلمين الذين تحكمهم الدولة العثمانية ستة عشر مليونا ونيفا - وذلك حسب إحصاء سنة1891، وهم الآن أكثر من ذلك - تحكم الصين منهم 32 مليونا، وتحكم روسيا ستة ملايين، وتحكم إنجلترا 107760804.

Shafi da ba'a sani ba