دليل على أن لا يدوم خليل
كتب الكتاب من أول الزمان، يذكرون مصاعب الموت وخطبه الجسيم، نعم، إن ما نراه من تجرع مرارة الموت ومنظر الميت من الكآبة وبكاء أهله وخلانه وسواد الملبس وانهمال الدموع على الخدود وتقريح الجفون والعيون؛ يجعل الموت في أعيننا هولا عظيما وخطبا جسيما تشمئز منه النفوس وتخافه القلوب، ولكن لو نظر الإنسان إلى متاعب الحياة الدنيا وفناء لذاتها وانقضاء أيامها، وطوح بنظره إلى أصحاب القبور الذين ينامون نوما هنيئا، لا حسد ولا منافسة ولا نميمة ولا شحناء ولا بغضاء ولا فقر ولا مرض ولا عناء ولا سهاد ولا بلواء ولا ذل ولا استعباد ولا طمع ولا شره ولا غدر ولا قتل، بل راحة نوم عميق لا تتخلله أحلام مزعجة ولا تصورات مفزعة بما سيأتي به النهار وبما ولى به الأمس، والهدو والسكينة اللذين يرفرف جناحهما على مساكنهم؛ يجد أن الموت راحة كما قال أبو العلاء:
ضجعة الموت رقدة يستريح ال
جسم منها والعيش مثل السهاد
نعم، إن خطب الموت يكون أخف وطأة إذا كان الميت من كان ينتظر موته في كل آن ولحظة، لكنه خطب هائل عند فراق من لا ينتظر فراقه، ولا سيما شاب في نضارة عمره ومقتبل شبابه وزهرة حياته:
من شاء بعدك فليمت
فعليك كنت أحاذر
أنت كنت زهرة حياتي، وأنت كنت محط آمالي، وأنت كنت قصدي ومرادي، لأجلك كان سفري، لأجلك كان تعبي، لأجلك كان فراق وطني، لأجلك رغبت في الحياة، فلا حول ولا قوة إلا بالله! ولا خير في حياة ذلها طويل وشقاؤها كثير، وما هي الحياة؟ إن هي إلا أنفاس تردد ودقائق تعد وتحسب، تنتهي كما ينتهي كل شيء، فأي طمع بعد ذلك في الحياة؟!
أنلهو وأيامنا تذهب
ونلعب والموت لا يلعب؟!
Shafi da ba'a sani ba