Bari Sibawayh Ya Fadi
لتحيا اللغة العربية يسقط سيبويه
Nau'ikan
أما الإنجليزية فإن دائرة المعارف البريطانية تشير إلى أن المؤرخين يجمعون في غالبيتهم على أنها بدأت نحو عام 1500م في صورتها التي نعرفها حاليا. وكما أن مونتيني (1533-1592م) كان أول من أبدع بالفرنسية، فإن الرائد الأول للإنجليزية هو تشوسر (1340-1400م).
لكن حتى مع حداثة هاتين اللغتين بالنسبة للعربية، فقد طرأت عليهما تغييرات أساسية. ولم تكن نتيجة التطور الطبيعي فحسب، وإنما بفعل تعديلات في القواعد والتراكيب؛ فنحن إذا رجعنا للغة مونتيني، أول من كتب بالفرنسية الحديثة لوجدنا فروقا جوهرية مع الفرنسية التي يستخدمها الكتاب اليوم.
كذلك لو قارنا بين الإنجليزية التي كان يكتب بها شيكسبير (1564-1615م) مسرحياته الخالدة، واللغة الإنجليزية المعروفة اليوم لوجدنا فروقا لا يمكن أن تخفى على أحد. وكما في الفرنسية فإن التغيير ليس في تطور الأسلوب وإدخال كلمات جديدة فحسب، وإنما في القواعد الأساسية التي تضبط النحو والصرف في اللغتين.
إذا فحتى اللغات الحديثة نسبيا تطورت من أجل مجاراة العصر، ولكي تعكس بأمانة احتياجات الإنسان العصري التي تختلف جذريا عن احتياجات سابقيه الذين عاشوا من مئات السنين.
أما اللغات القديمة مثل العبرية واليونانية والصينية فإنها تختلف اليوم اختلافا جذريا عن اللغات الأصلية التي كانت مستخدمة منذ أكثر من ألفي عام. والجدير بالملاحظة أن عمليات التطوير التي عرفتها الصينية كانت تتم بطريقة تلقائية مرة كل نحو خمسمائة عام.
والخلاصة هي أن العربية هي اللغة الوحيدة على وجه الأرض التي لم تتطور قواعدها ونحوها وصرفها منذ ألف وخمسمائة عام، وهي اللغة الوحيدة في العالم التي أصر الناطقون بها على تحنيطها، وبذلوا كل الجهود بدعوى الحفاظ على «نقائها». •••
ولأن اللغة هي انعكاس لاحتياجات المجتمع في التفاهم والتعامل، فلا يعقل أن تكون احتياجات المجتمع العربي في القرن الحادي والعشرين مماثلة لاحتياجات سكان البادية في القرن الخامس الميلادي قبل ظهور الإسلام. واللغة هي المحدد الرئيسي لأسلوب التفكير ورؤية الدنيا؛ فهل يعقل أننا نفكر اليوم مثل البدو في القرن الخامس الميلادي بالجزيرة العربية، وأن رؤيتنا للدنيا لا تختلف عن رؤيتهم؟
ولو كان ذلك صحيحا لكان دليلا على تخلفنا الشديد؛ فسنة الحياة أن يتطور الفكر ويرتقي إلى آفاق أرحب بالتوازي مع التقدم المادي للمجتمع. ولا يمكن لإنسان القرن الواحد والعشرين أن يرى الدنيا كالبدوي في صحراء القرن الخامس الهجري، الذي لم يكن يعرف عن العالم شيئا، وكانت كل آفاقه هي كثبان الصحراء المحيطة به.
ولأن اللغة هي مرآة أمينة لتطور العقل، فإن عدم تطور قواعد اللغة العربية منذ 1500 عام يحمل دلالات خطيرة، أترك للقارئ أن يستنتجها بنفسه.
صحيح أنه علينا أن نفخر بأن أجدادنا وضعوا لغة جميلة كانت قادرة على تحدي الزمن، وعلى التعبير عن أدق المعاني وأجمل المشاعر، إلا أنه لا يمكن أن تستمر العربية في غياب تطوير جذري في قواعدها دون مواجهة خطر فقدان هويتها.
Shafi da ba'a sani ba