Bari Sibawayh Ya Fadi
لتحيا اللغة العربية يسقط سيبويه
Nau'ikan
وعندما أفاق الناس من صدمة الحرب العالمية الثانية المروعة، رأى البعض ضرورة البحث عن وسائل لنزع فتيل المواجهة بين أبناء البشرية، وأرادوا مد جسور التفاهم بين الناس، فعادت الروح بعض الشيء إلى الإسبرانتو على أساس أنه إذا تحدثت كل شعوب العالم لغة واحدة فسوف يؤدي ذلك إلى إذابة العوائق النفسية ونزعات الشر الكامنة في نفس الإنسان تجاه من يعتبرهم غرباء عنه.
لكن هذه المحاولة باءت بالفشل، كما أن فكرة إقامة حكومة واحدة للعالم هي حلم من الأحلام الوردية التي لا يمكن تحقيقها في المستقبل المنظور، فحتى دول الاتحاد الأوروبي لازالت عاجزة حتى الآن - برغم تقدمها في الوحدة فيما بينها - عن إنشاء نوع من أنواع الحكم الفوقي تخضع له كل الدول الأعضاء. وكان الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان يحلم بأن يكون أول رئيس للولايات المتحدة الأوروبية، لكن هناك أفكار مثل الإسبرانتو تسبق عصرها وقد تتحقق في المستقبل البعيد عندما تتغير ظروف المجتمعات البشرية. •••
وإذا أخذنا مثالا آخر من القرن العشرين يعكس إدراك الإنسان لأهمية اللغة نجد أن الطاغية النازي أدولف هتلر (1889-1945م) كان يحلم بتوحيد كل الناطقين بالألمانية في أوروبا. وقد قام بغزو النمسا وأهلها يتحدثون الألمانية، ثم غزا المناطق البولندية الناطقة بالألمانية، وبعد ذلك منطقة السوديت جنوب تشيكوسلوفاكيا السابقة، وسكانها أيضا كانوا من الناطقين بالألمانية.
ومن يتابع تحرك الجيش النازي في نهاية الثلاثينيات من القرن العشرين يتضح له مخطط هتلر الذي كان يقوم في أساسه على اللغة التي كان يعتبرها أحد المكونات الأساسية للجنس؛ فخريطة التحرك كانت مطابقة لخريطة المجتمعات التي تتخذ من الألمانية لغة للتفاهم.
وكان لهتلر بطبيعة الحال أطماع توسعية واستعمارية أدت إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية، لكن فكرته الرئيسية كانت قيام إمبراطورية تضم كل أبناء العنصر الألماني الناطقين بالألمانية. وقد فرض على الحلفاء في اتفاقية ميونيخ عام 1938م ضم منطقة السوديت بجنوب تشيكوسلوفاكيا السابقة، على أساس أن أهلها يتحدثون الألمانية.
مثال آخر من العالم العربي: إذا قمنا بتحليل حقبة الاستعمار من منظور لغوي يتضح لنا أن اللغة لعبت دورا هاما لازال العرب واقعين تحت تأثيره إلى بداية القرن الواحد والعشرين.
وقد تقاسم الهيمنة على العالم العربي منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر دولتان أوروبيتان، لكل منهما مفهومها الخاص عن رسالتها الثقافية واللغوية؛ فإنجلترا كانت تهدف من فرض سيطرتها على المستعمرات الاستفادة المادية والانتفاع بخيرات الأراضي التي احتلتها إلى أقصى حد ممكن، ولم تسع بريطانيا لفرض لغتها أو ثقافتها على الدول التي استعمرتها في العالم العربي وعلى رأسها مصر.
أما فرنسا فكان لها هاجس آخر بالإضافة إلى الاستفادة المادية؛ فقد كانت حريصة على نشر ثقافتها ولغتها في الدول العربية والإفريقية وغيرها التي وقعت تحت براثنها. وكانت السلطة الفرنسية تفرض لغتها في المدارس وتحارب العربية، أو تسعى لتقليصها بقدر المستطاع، وجعلها لهجة للتفاهم البدائي بين أبناء الشعوب الخاضعة لها. وكان أبناء الجزائر وتونس والمغرب يتعلمون في المدارس أن أجدادهم هم الغاليون، وهؤلاء بطبيعة الحال هم أجداد الفرنسيين وحدهم.
فرنسا إذا لم تكتف بالسيطرة على الأرض، لكنها أرادت السيطرة على العقل، واكتشفت أن الهيمنة العقلية تمر من خلال الحالة اللغوية. ومن الواضح، برغم سوء نواياها، أنها كانت على صواب.
وكانت نتيجة السياسة اللغوية التي انتهجتها فرنسا أن شعوب المغرب العربي لازالت إلى الآن مرتبطة ارتباطا ثقافيا وثيقا بفرنسا، ويقترب منهاج تفكيرها من المنهاج الفرنسي أكثر منه إلى العربي. صحيح أن أبناء الجيل الحالي يبذلون جهودا جبارة للتخلص من سيطرة التأثير الفرنسي والتوصل إلى صيغة يلتحمون بها بثقافتهم العربية الأصيلة، لكن الأثر الثقافي الذي تركته سنوات الاستعمار لازال شديد الوطأة على العقل المغاربي.
Shafi da ba'a sani ba