Bari Sibawayh Ya Fadi
لتحيا اللغة العربية يسقط سيبويه
Nau'ikan
وكانت الكتابة من أهم الثورات الثقافية التي عرفها تاريخ البشرية، إن لم تكن أهمها على الإطلاق، بل إن التاريخ نفسه يبدأ بالكتابة، أي: بتثبيت اللغة الشفهية وتخطيها لحاجز الزمن. والخط الفاصل بين ما يسمى بعصور ما قبل التاريخ وعصور التاريخ هو اختراع الكتابة. وعلى الرغم من اختلاف العلماء حول الحضارة التي كان لها فضل اختراع الكتابة أهي المصرية، أم السومرية؟ إلا أن الإجماع على أن بدء التدوين كان لحظة تاريخية فاصلة، جعلت الإنسانية تقفز قفزة عملاقة إلى الأمام.
قبل ذلك كانت المعلومات والخبرات تنتقل كلها شفاهة من جيل إلى جيل. وهذا التوارث السمعي من شأنه أن يطمس الثقافة ولا يسمح بوجود دين أو معرفة حقيقية. فقوام الأديان السماوية كلها هي الكتب التي تحمل رسالة كل دين، وليس المنقول عن الأنبياء أنفسهم بالسمع جيلا بعد جيل. فالتوراة والإنجيل والقرآن هي الأسس التي شيدت عليها الديانات السماوية الثلاث. وكان القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد المحفوظ عند العرب بعد انتقال سيدنا محمد
صلى الله عليه وسلم
إلى الرفيق الأعلى.
وإذا سألنا أنفسنا: ما الذي يربطنا بماضينا وبتراثنا الثقافي؟ فإن الإجابة هي ببساطة: اللغة؛ فاللغة هي الوسيلة الأساسية لمعرفة كل ما حدث قبل وجود جيلنا في الدنيا، فمعلوماتنا عن الماضي نستقيها من الكتب التي تركها السلف، كما أن التراث والأدب والفكر مرهونون كلهم باللغة التي دونوا بها ونقرؤها اليوم كما قرأها من عاشوا قبلنا.
هناك طبعا الآثار الباقية مثل: الأهرام وأبي الهول، والمساجد، والقصور، والقطع الأثرية، مثل: التماثيل والأواني والحلي وغير ذلك، لكن كل مخلفات الماضي البعيد والقريب تفقد معناها في غياب الفهم اللغوي؛ فالآثار الفرعونية القديمة مثلا ظلت أحجارا صماء لم تعرف قيمتها ومعناها أجيال متعاقبة من المصريين لقرون طويلة بسبب عدم فهم اللغة الهيروغليفية المنقوشة عليها. وكان العرب يفتون فتاوى غريبة حول بناء الأهرام، فصاحب المعجم القاموس يقول مثلا: «إن الهرمين بناءان أزليان بمصر، بناهما إدريس عليه السلام، لحفظ العلوم فيهما من الطوفان، أو بناء سنان بن الشلشل.»
ووصل الأمر إلى أن الخليفة المأمون عندما قدم إلى مصر عام 832م أمر بتفكيك أحجار الأهرام بهدف استخدامها في بناء منشآت جديدة. ولولا ثقل الأحجار وأحجامها الضخمة، التي حالت دون تنفيذ أوامر المأمون، لفقدت مصر والعالم أجمع إحدى عجائب الدنيا السبع القديمة. بل إن هرم خوفو هو الوحيد الباقي إلى يومنا هذا من عجائب الدنيا السبع القديمة.
أما الست الأخر، وهي: فنار الإسكندرية، وحدائق بابل المعلقة، وعملاق رودس، وتمثال زيوس، ومعبد أرتميس (حامية الأرض عند الرومان) وضريح هاليكارناس، فقد تهدمت جميعا بفعل الزلازل، والحرائق، والعوامل الطبيعية الأخرى.
فالهرم الأكبر إذا هو البناء الوحيد من عجائب الدنيا السبع الأصلية الذي تحدى الزمن وانتصر على كل عوامل الهدم، مما جعل الشاعر يقول عنه:
خليلي ما تحت السماء بنية
Shafi da ba'a sani ba