وما قاله الأديب عن ابن الرومي لا يدل على أن كتابا ضخما في شرح أدبه كثير عليه؛ بل يدل على أنه لا يزال في حاجة إلى كتب ضخمة إلى جانب ذلك الكتاب للتعريف بقدره، والتنبيه إلى دقائقه، والوصول إلى فهم الأدب والشعر عن طريق فهمه.
فابن الرومي في الملكة الشعرية الفنية قمة لا تطاولها القمم، مثل لا تقاربه الأمثال، طراز ليس له في الدنيا نظير.
نعم في الدنيا أقول، ولا أقول في أدب العرب أو أدب الفرس أو أدب الروم أو أدب أمة واحدة من الأمم.
في الدنيا كلها لا نعرف نظيرا لابن الرومي فيما رزقه الله من ملكة التصوير الفني، ومن القدرة الشعرية على استيعاب كل مرئي رآه، وكل محسوس أحسه وكل خالجة جرت بين طواياه.
في الدنيا كلها نقول ونحن نعني ونعلم ما نقول، ومن لم يفهم هذا فليجتهد في فهمه، قبل أن يجتهد في رفض رأي ليس عنده من أسباب رفضه مثل ما عندنا من أسباب الذهاب إليه وأسباب تأييده.
بيتان اثنان من شعر ابن الرومي يصلحان لتقريب هذه الحقيقة؛ لأنهما نظما بمحض الباعث إلى التصوير الفني، ولم ينظما محاكاة للموضوعات التي يتناقلها الشعراء.
وهذا البيتان هما قوله في وصف حقل من الكتان:
وجلس من الكتان أخضر ناعم
توسنه داني الرباب مطير
إذا اطردت فيه الشمال تتابعت
Shafi da ba'a sani ba