على أن الحكمة في التقديم والتأخير معنى من معاني العقل والمنطق، وليست بقاعدة من قواعد اللغة وحسب.
ولهذا ينص عليها في جميع اللغات، ولا يقتصر التنبيه إليها على لسان دون لسان.
فالإنجليز مثلا ينبهون إلى الفرق بين معاني العبارات إذا تغير موضع كلمة واحدة فيها، ويمثلون لذلك بأمثلة كثيرة منها هذه الأمثلة الأربعة: (1)
أنا «فقط» أتحدث بهذه القصة إلى فلان. (2)
أنا أتحدث فقط بهذه القصة إلى فلان. (3)
أنا أتحدث بهذه القصة فقط إلى فلان. (4)
أنا أتحدث بهذه القصة إلى فلان فقط.
فالفرق بعيد جدا بين كل عبارة من هذه العبارات وبين سائرها، لتغير الموضع الذي توضع فيه كلمة واحدة؛ لأن العبارة الأولى معناها أنني وحدي أتحدث بهذه القصة إلى الشخص المذكور، والعبارة الثانية معناها أنني أتحدث فقط ولا يصدر مني شيء غير الحديث، وقد يتحدث به غيري كذلك، والعبارة الثالثة معناها أنني أتحدث بالقصة فقط إلى فلان، ولا يتعدى التخصيص ذلك، فكل ما عدا هذا التخصيص فهو عام لا تقييد فيه، والعبارة الرابعة معناها أن المتحدث إليه هو فلان فقط وليس إنسانا غيره، ولا تخصيص للقصة ولا للمتحدث ولا للحديث.
وتبديل الموضع الذي توضع فيه كلمة فقط ممكن جدا لكل من أراده، ولكن المهم هو المعنى الذي يترتب على هذا الإمكان، فإن كان المقصود أن نحافظ على معنى لا يتغير، فالتبديل مستحيل أو كالمستحيل، وإن لم يكن هنالك معنى مقصود فبدل وقدم وأخر كما تشاء. •••
ونأتي إلى الأبيات التي نطق بها النبي - عليه السلام - فننظر ماذا كان يترتب على التبديل في مواضع كلماتها؟
Shafi da ba'a sani ba