193

وهنا مشكلة ليست بالهينة من مشكلات الزواج؛ لأنها مشكلة التوفيق بين ما توحيه طبيعة الأنثى، وبين ما تمليه آداب المجتمعات، وهما شيئان لا يتفقان كل الاتفاق.

ويفهم بعض الناس أن الزوجة المثلى هي التي ترضي الرجل، وأن الزوج الأمثل هو الذي يرضي المرأة.

وهذا خطأ آخر من أخطاء الآراء في هذا الموضوع، ويكفي أن نسأل: ما هو غرض الزواج؟ ليكون الجواب تصحيحا سريعا لهذا الخطأ المشهور.

الزواج مقصود؛ لأنه وظيفة اجتماعية ونزعة إنسانية، ويصح أن يتم أداء هذه الوظيفة بمضايقة الزوجين معا أو بمضايقة زوج واحد منهما، كما يصح أن يتم أداؤها بما يرضي أحدهما أو كليهما، فلا غرابة من أجل هذا أن تبر الزوجة المثلى بعهد الزواج، وهي لا ترضي الرجل كل الإرضاء في كل حين، وأن يبر الزوج الأمثل بذلك العهد وهو مكروه على إغضاب حليلته التي يتوخى لها الإرضاء والإيناس.

وهنا مشكلة ليست بالهينة كذلك من مشكلات الزواج؛ لأنها مشكلة التوفيق بين الهوى والواجب، أو بين النظر القريب والنظر البعيد، وهي المشكلة الخالدة في حياة الإنسان. •••

ومن المشكلات في هذا الباب أن الزوج الأمثل لامرأة لا يلزم أن يصبح زوجا أمثل لامرأة أخرى، فالرجل في الأربعين زوج أمثل لامرأة في حدود الثلاثين، والرجل الذي فيه صلابة زوج أمثل للمرأة التي فيها شكاسة، والرجل الحليم المتئذ زوج أمثل للمرأة المتعجلة الرعناء، ولكنهم يختلفون ولا يتوافقون هذا التوافق، فإذا هم أسوأ الأمثلة للأزواج، وأقلهم أملا في الرفاء والوفاء. •••

والبيت مشكلة المشاكل في العصر الحديث.

ففي العصور الماضية كانت المسافة قريبة جدا بين العالم البيتي والعالم الخارجي، وكانت الملاهي الخارجية أشبه شيء بملاهي المنادر في البيوت مع قليل من التوسع والتعميم، فلم يكن من العسير أن تتفق معيشة الأسرة، ومعيشة المحافل الساهرة ولو كانت محافل لهو وانطلاق.

أما اليوم، فالمسافة بعيدة جدا بين عالم البيت والعالم الخارجي؛ لأن المناظر التي يراها الساهر في العالم الخارجي لا يراها في بيته، ولو كان من أهل السعة واليسار، وإنما نشأ هذا عن اختراع الآلات التي تعمل للألوف وألوف الألوف، ولا تقصر عملها على جماعات من الناس يعدون بالعشرات كما كانت محافل اللهو في العصر القديم، وليس من المعقول أن تنفق الشركات مليون ريال على منظر سينما يدار في مندرة أو بهو أو قصر كبير بضع ساعات، ولا نعرف اختراعا من هذه الاختراعات يوافق الحياة البيتية غير المذياع، الذي يسهل اقتناؤه في الصغير والكبير من البيوت، وهو وحده لا يغني عن سائر الأفانين التي تتنوع في محافل السهرات.

فالبيت في العصر الحديث مهدد الأساس، ولا وقاية له من هذا التهديد إلا الإقلال من العواصم الكبرى، وتشجيع الإقامة في الريف، وإلا تربية الذوق المستقل الذي يصعب انغماسه في غمرة الجماهير، وتربية الإرادة الفردية التي يهمها أن تنطوي على نفسها حينا بعد حين، ويعجبها أن تنعم بالعشرة الأخوية بين الصحب المتفاهمين والأقارب المتعاونين، فوق إعجابها بضجة السواد وزحام القطيع.

Shafi da ba'a sani ba