والمساعدة الثالثة هي قوة الدولة التي يخدمها السياسيون الأوروبيون، فإن وزراء الدول الكبرى يعتمدون على نفوذ الكلمة أضعاف اعتمادهم على الإقناع وحسن السياسة، ويعولون على الأساطيل والجيوش والأموال كلما ضاقت بهم الحيل وقصرت بهم وسائل التفكير والتدبير.
أما الوزير المصري فليست لديه قوة يخيف بها خصومه أو سلاح يغنيه عن سلاح الحجة والبرهان، واغتنام الفرصة السانحة والموقف الذي تسوقه إليه الظروف. (4)
ومن أعوان الوزير الأوروبي أنه يعمل في اتجاه واحد محدود يستجمع فيه قواه، ولا يوزعها في وجهات متناقضة، قد تتفق وقد تختلف في أكثر الأحيان.
فإذا كانت الحكومة برلمانية، فكل حساب الوزير منصرف إلى إقناع البرلمان، ومن ورائه الرأي العام الذي يشبه البرلمان في اتجاهه، ويتغير معه في الرأي والشعور كلما طرأت عليه عوامل التغيير.
وإذا كانت الحكومة «دكتاتورية » فالسلطة واحدة، وطريق العمل معروف بعد الاطمئنان إلى ثبات الحكومة.
أما في مصر فالوزارة موزعة الجهود بين واجبات السلطة الشرعية، ومقاصد السلطة الفعلية ومناورات المعارضة في البرلمان، ومفاجآت الأقاويل والإشاعات التي تتحول بالرأي العام من اليمين إلى الشمال، ثم من الشمال إلى اليمين في كل صباح ومساء، ولا يعفيها الاهتمام بهذا كله من الاهتمام بالمقاصد الأجنبية التي تتمثل في بقايا الامتيازات، أو في الأموال التي يملكها الأجانب بيننا، ولا يزال لها في سياستنا الداخلية وسياستنا الخارجية صوت مسموع.
فالوزير المصري ينزل إلى الحومة في سباق الحواجز والخنادق والسدود، من حيث يجري الوزير الأوروبي إلى غايته في ميدان مفتوح مكشوف خلو من هذه العراقيل.
والوزير المصري يبدأ عملا غير مسبوق في الدواوين المصرية؛ لأنه نشأ مع عهد الاستقلال منذ عشر سنين، أو مع عهد الدستور منذ عشرين سنة.
ولكن الوزير الأوروبي يتمم عملا مسبوقا ويمشي في سبيل مطروق، ويقوم على رأس الهرم الحكومي بعد أن توطدت قواعده وأركانه بين ظهراني الأمة وفي حجرات الدواوين خلال مئات من السنين.
وإذا كانت هذه هي الحقيقة التي لا مكابرة فيها، فمن أين جاء ذلك الاعتقاد الجازم بأن الساسة المصريين أقل من الساسة الأوروبيين، أو لا بد أن يكونوا أقل منهم في الكفاية والاقتدار؟
Shafi da ba'a sani ba