وأما أهل الكمون والظهور فإنهم فرقة من الفلاسفة أقرب بإثبات الأكوان لما عرفت قول الفرقة الأولى منهم بنفي الأكوان، واعترفت هذه الفرقة بالأكوان فلما قيل لهم يلزمكم حدوث الجسم، فقيل لهم إن الأكوان يجوز عليها العدم والبطلان، والقديم لا يجوز عليه العدم والبطلان، فقالوا: إنها لا تنعدم ولكنها تكمن وتظهر، ومعنى ظهورها في الجسم ولا توجد له الصفة، ومعنى كمونها أنها حاصلة في الجسم ولا توحب وربما فسروا الكمون بأن ينقل منه إلى غيره، والظهور بأن ينتقل تنتقل من غيره إليه، وإنما قالوا بذلك لئلا يلزم حدوث الأكوان فيلزم منه حدوث الجسم، فلذلك سموا بأصحاب الكمون والظهور.
أما الموضع الثاني: وهو في الدليل على صحة ما ذهبنا إليه وفساد ماذهبوا إليه، فتعدى في القول في إبطال مقالة المطرفية، فالذي يبطل قولهم وجوه ثلاثة:
الأول: أن هذا ينافيهم على أن الأعراض صفات وليس بذوات، وقد بينا أنها ذوات، وأبطلنا قول من قال إنها صفات، وإذا ثبت أنها ذوات صح أن توصف بالحدوث.
الوجه الثاني: أن نقول لهم أخبرونا [83ب] عن هذه الأكوان هل هي حاصلة بعد أن لم تكن؟ فقد أقروا بأنها محدثة، وقولهم: إنها حدوث وليس بمحدثة خلاف في عبارة، ولا وجه له، وإن قالوا: إنها حاصلة فيما لم يزل لم يصح؛ لأنها لا توجد إلا في الجسم، والجسم محدث عندهم.
الوجه الثالث: أنا نقول لهم ما تريدون فإنها حدوث هل أردتم بذلك أنها حدوث للجسم، أو أنها حدوث لأنفسها، أو أنها حدوث لأمر ثالث، فإن قلتم أردنا بذلك أنها حدوث لأنفسها، حصل عرض وهو القول بحدوثها، وإن قلتم أردنا بذلك أنها حدوث الجسم فذلك لا يصح من وجهين:
أحدهما: أنه كان يلزم أن أحدنا إذا حرك الجسم أن يوجد ذاته فيكون قادرا على إيحاد الجسم وإحداثه وهذا محال.
Shafi 163