وأما الموضع الثالث: وهو في الدليل على أن ما لا يتم الواجب إلا به يكون واجبا كوجوبه، كالذي يدل على ذلك العقل والسمع.
أما العقل فهو أن من وجب عليه قضاء الدين أو رد الوديعة، ولم يمكن من ذلك إلا لقيام وفتح الباب، وإخراج المال، فإنها تجب عليه، وإنما وجب عليه لأنه لا يمكن رد الوديعة، وقضاء الدين إلا بها، فيجب من كل من شاركهما في العلة وجب أن يشاركه في الحكم، وهذه الدلالة مبنية على أربعة أصول:
أحدها: أن قضاء الدين ورد الوديعة واجب.
والثاني: أنه إذا لم يتم إلا بالقيام وفتح الباب [63ب] وإخراج المال، فإنها تجب عليه.
والثالث: أنه إنما وجب؛ لأنه لا يمكنه رد الوديعة إلا بها.
والرابع: أن كل ما يشاركهما في العلة وجب أن يشاركهما في الحكم.
أما الأصل الأول: وهو أن قضاء الدين ورد الوديعة واجب فذلك معلوم ضرورة.
وأما الأصل الثاني: وهو أنها إذا لم يتم إلا بهذه الأفعال وجبت عليه، فالذي يدل على ذلك أن العقلاء يذمونه على الإخلال بها كما يذمونه على الإخلال برد الوديعة، فلولا أنها واجبة عليه وإلا لما استحق الذم.
وأما الأصل الثالث: وهو أن العلمة في وجوبها كونها وصلة إلى واجب لا يتم إلا بها، فالذي يدل على ذلك أن الحكم يثبت بثبوتها ويزول بزوالها، وليس هناك ما يتعلق الحكم به أولى.
وأما أنه يثبت بثبوتها فلأنا قد علمنا أن قضاء الدين ورد الوديعة ما لم يتم إلا بالقيام وفتح الباب فإنه يجب عليه ذلك، فثبت وجوب هذه الأفعال عند قيام هذه العلة.
وأما أن يزول بزوالها فإنه متى أمكنه ردها بدون هذه الأفعال بأن يكون على يد خادمه لم تجب عليه فزال بزوالها.
Shafi 119