وأما الكثرة العظيمة فإن العادة مطردة في وجوب حصول العلم الضروري عند خبرهم، وعند أبي رشيد أن الخمسة ليس من عدد التواتر، وهو المروي عن المنصور بالله (عليه السلام)، والصحيح عند أصحابنا أن أقل عدد التواتر مضبوط بالخمسة فما فوق، وأن مقدار التي يجب حصول العلم عندها غير مضبوط بحد معلوم، ولكن أمارة حصول تلك الكثرة حصول العلم الضروري عند خبرهم، ومن الناس من ضبط ذلك بعدد معلوم وليس بصحيح عندنا، فمنهم من قال يكونوا بعدد نقباء بني إسرائيل وهم اثنى عشرة، ومنهم من قال يكونوا عشرين وهو قول أبي هذيل لقوله تعالى: {إن يكن منكم عشرون صابرون} ومنهم من قال يجب أن يكونوا أربعين كما في أهل الجمعة على مذهب (ش) في صلاة الجمعة، ومنهم من قال: يجب أن يكونوا سبعين لقوله تعالى{واختار موسى قومه سبعين رجلا} ومنهم من قال: يجب أن يكونوا ثلاثمائة وبضع عشرة عدد أهل بدر، والصحيح وهو المذهب أنه لا حصر لهم وإنما يعتبر حصول العلم الضروري فأينما حصل فهو عددهم.
وأما الشرط الثالث: وهو أن يكونوا متساوين الأطراف والوسائط أو متقاربينها فهذا إذا يكون في القرون الماضية مثل أن تخبر قرن عن قرن إلى أن يتصل إلى النبي (صلى الله عليه) وأرد ما يتساوى الأطراف أن تخبر كثرة عن كثرة إلى أن يتصل الخبر بالأصل المخبر عنه المشاهد نحو أن ينقل ألف عن ألف أو مائة عن مائة وبالتقارب أن ينقل ألف عن تسعمائة أو ثمانمائة بعد أن يكون الكل متصفا بالكثرة المعبرة، واحترزنا بذلك عن أن ننقل عدد التواتر عن عدد الرجال فإن ذلك لا يكون متواتر أن أصله أحادي وإن وقعت الكثرة بعد ذلك نحو كثير من الأخبار الآحادية التي يرويها المخالفون.
Shafi 114