Yamini
اليميني
وعندها أحب السلطان أن يجعل المصافاة مجاهرة، والموالاة مصاهرة، فأنهض القاضي أبا عمرو «7» البسطامي شيخ الحديث بنيسابور إلى فارس، وهو النبيه فضلا، والوجيه محلا، والإمام علما وتحقيقا، والحسام لسانا فصيحا ورأيا وثيقا. وصادف من إجلال بهاء الدولة وإكرامه، وإظهار التلطف «1» عليه في مرامه، ما اقتضته جلالة من أصدره، ومساعدة القدر له في كل ما قدره. وأقام عليه منقولا من مجلس الإيجاب إلى متوسد الإكرام، ومن راحة الإشبال إلى عاتق الإكبار. غير أن بعيد طلوعه عليه وافق [208 أ] منه علة أحدثها سوء المزاح بين ألف الراحة والراح، فأعياه تنجز المراد على العارض العائق.
وقد كان فخر الملك «2» مقيما ببغداد، وهو الوزير والنصير ومن إليه الرأي والتدبير، فجشم القاضي إلى ما قبله ليتفاوضا فيما يوجب صرف الرأي إليه، وتأريب العقد عليه، فاتفق مع وصوله استئثار قضاء الله تعالى ببهاء الدولة، وانتقال روحه إلى جوار ربه. وبايع الناس ولده الأمير أبا شجاع، ولقبه القادر بالله أمير المؤمنين، بسلطان الدولة. واستتب له طرق الأمر، واعتدل عليه عمود الملك، وجرى له الطير بالإقبال وحسن الفأل. ولما عاد القاضي إلى ما قبله، لم يملك له من ذاته جوابا يغنيه، ولا حوارا يشفيه، إذ كان دونه رسولا إلى أبيه، فصرفه محملا من رسالته في وراثة الود، والوفاء بسالف العهد، واشتراء الخلوص بقاصية الجهد، ما اقتضاه حكم الابتداء بغرس الوداد، واستثمار الوفاء على ظهر البعاد.
Shafi 381