«لعل الدهقان يظنني أؤثر مع مساعدة الزمان مباعدة الإخوان، وأرضى من صدر الوزارة بقلب كالحجارة، فلم يزل نيل المراتب حلالا للعقود، قطاعا للأواصر والعهود، كلا «5» إني ما أزداد ارتفاعا، إلا ازددت للصديق اتضاعا، ولا أنال على الأيام رتبة، إلا ازددت إلى الإخوان قربة. غيري من يصلفه السلطان ويبدله الزمان «6»، ويذم عهده الإخوان، على أنني مهما نسيت عهدا أو تناسيت، وقلعت أخية «7» الوفاء دون من آخيت، فلست أنسى عهده، ولا أرضى قطيعته وهجره «8». إني وقد قيدني بأياديه الزهر، واسترقني بمعاليه الغر، [151 أ] فما أرى له بديلا، ولا أملك عنه تحويلا، أعاذني الله- ما بقيت- من صدوده، ولا سلبني طيب الأنس به بمنه وجوده».
وهذا القدر على مبلغ القدرة دال، وللمميز البارع متى قصد الإنصاف في المدح والتقريظ مجال.
فهؤلاء أعيان رعايا السلطان في الفضل الواسع، والأدب الجامع، ووراءهم من أعلام البراعة وأحداث الصناعة من يزحف ذكرهم عن الغرض المقصود بهذا الكتاب، [ولم استقر أسامي المذكورين إلا أنهم بالإضافة إلى سائر أعيان البلاد، أفراد في ارتفاع المراتب، واتساع الحظوظ والرغائب، واضطراب الصيت في الآفاق، وصوغ الأيادي قلائد الأعناق] «1».
وسنعود إلى ذكر السلطان يمين الدولة وأمين الملة، ووقائعه التي رضيتها حدود الظبات، وإن سخطتها نفوس العداة، فننمي «2» كل وقعة إلى وقتها ويومها، ونلحق شرح حالها بقومها، إلى أن نوفي الكلام حقه من الإشباع في ذكر الحروب التي جرت بين السلطان وبين أيلك الخان.
ذكر وقعة «3» بهاطية «4»
Shafi 278