94

Yahudanci a Aqidah da Tarihi

اليهودية في العقيدة والتاريخ

Nau'ikan

ولكن صناع التوراة لم يرقهم أن يكون شأن نبيهم العبري نوح هينا كشأن النبي العربي صالح، ولم يرضهم أن ينحصر طوفان نبيهم وراء حدوده المحلية، ولم يقنعوا بأقل من إغراق الكوكب الأرضي من أكنافه الأربعة، ورأوا ألا تكون قصة الطوفان قصة مستقلة قائمة بنفسها فوصلوها بغيرها؛ ليجعلوا منها فصلا هاما في ملحمة صهيونية يهودية طويلة مفادها أن الله اختبر عباده، فأبدى بنو آدم من بادئ الأمر كثيرا من سوء السيرة وخبث السريرة، وما فتئت ذرية آدم تزداد على الزمن ارتداغا في الأوحال وإيغالا في الآثام حتى أصبحت لا تطاق فلم يجد خالق الأرض مندوحة عن إغراقها: ما عليها ومن عليها، لم يستحي من بني آدم كلهم غير نوح وبني نوح وزوجاتهم؛ فجماع البشرية في الوقت الحاضر هم بنو نوح كما أنهم بنو آدم.

على أن الطوفان الذي أغرق الناس لم يغرق الشيطان الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس؛ ومن ثم لم يبرح الناس سادرين في مهاوي الغواية لا ينبو عنهم في ذلك سوى بني إسرائيل، فاتخذهم الله شعبا مختارا له، وارتضى لهم الصهيونية شعارا، وإبادة جيرانهم العرب مذهبا، وواثقهم على أن يقطعهم أخصب الأودية المعروفة في ذلك الزمان وسائر البقعة الوسيطة من الأرض المترامية بين النيل والفرات: «في ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقا قائلا لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات» (تكوين 25: 18).

وقد أراد كتاب التوراة أن يسوغوا اعتداء الإسرائيليين على البلاد التي يغزونها فادعوا أن أهل تلك البلاد قد منوا بلعنة من البطارقة الكبار أمثال نوح وإبرام وإسحاق، وأن الله فضل بني إسرائيل على كل من عداهم، وأحل لهم - من ثم - سفك دماء سائر الناس واستلاب أموالهم والإجحاف بحقوقهم. ولما كلت قرائحهم البليدة عن تبيان ما اختص إله اليهود به شعبه المختار من عظيم الخلال وما أتاه هذا الشعب من مجيد المكرمات التي تسبغ عليهم الفضل المزعوم، لجئوا إلى محاولة إسقاط مروءة الشعوب المعروفة لهم؛ فألصقوا بها وبزعمائها من المخازي ما يسف بهم إلى دركات أحط من درك اليهود، وأقاموا في سفر التكوين سلسلة من المصافي، تحجز كل مصفاة منها شعبا من الشعوب بعد أن يحمله الأحبار المؤلفون من ضخام الأوزار ما تضيق إزاءه ثقوب المصفاة عن إمراره. (1)

وكان طوفان نوح هو المصفاة الأولى وقد سدت الطريق في وجوه بني آدم ليقتصر المرور على بني نوح وهم طلائع بني إسرائيل. (2)

وقد أسهبت التوراة في وصف رحلة نوح على متن سفينته، ثم افتنت في تبيان ألوان الأطعمة التي قربها نوح على مذبح إلهه بعد انحسار الطوفان، ثم سكتت فلم تذكر من أمره بعد ذلك سوى حادثة واحدة بادية التفاهة كانت هي المصفاة الثانية التي ضاقت ثقوبها عن أن تسمح بمرور حام بن نوح، فأقصته هو وابنه كنعان من زمرة الأخيار الذين بارك فيهم آباؤهم، وبذلك لم يظفر بالمرور من الإخوة الثلاثة سوى سام مؤسس الجنس السامي الذي ينتمي إليه بنو إسرائيل.

فقد ذكرت أن نوحا أخلد إلى حياة الأسرة وعاش زوجا ورب بيت يجمع حوله أولاده وحفدته. وشرع وهو في مستهل القرن السابع من عمره يغرس بستانا من الكروم حتى إذا ما أينع العنب عصره خمرا وشرب منها وأفرط في الشرب فغاب عن وعيه وانكشفت سوأته: «فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه وأخبر أخويه خارجا ... فلما استيقظ نوح من خمره علم ما فعل به ابنه الصغير فقال: ملعون كنعان. عبد العبيد يكون لإخوته. وقال: مبارك الرب إله سام. وليكن كنعان عبدا لهم. ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام. وليكن كنعان عبدا لهم» (تكوين 9: 22-27).

وإنا لا نرى في وقوع نظر حام على عورة أبيه وتحدثه في ذلك إلى إخوته ما يستتبع تلك النتائج الخطيرة التي ترتبت على وشاية أخويه به إذ صب أبوه الموحى إليه لعنته على كنعان بن حام. ولسنا ندري لم تخطى نوح بلعنته المستجابة حاما إلى كنعان ابنه، إلا أن تكون القصة كلها قد وضعت لتبرير المذابح البشعة التي أحدثها الإسرائيليون في فلسطين وما زالوا يحدثونها هناك ولتسويغ سفك دماء العرب الكنعانيين التي ضرجوا بها ثرى تلك البلاد .

أجل، لقد استطاع كاتبو التوراة بهذه الفرية أن يضربوا بحجر واحد عصفورين معا: (أ)

حث اليهود على استعباد شعوب وادي النيل من مصريين وسودانيين وحبش بزعم أن جدهم حاما باء بلعنة من أبيه نوح. (ب)

تحريضهم على اصطلام العرب أصحاب فلسطين بزعم أن جدهم كنعان باء بلعنة من جده نوح، وهؤلاء العرب الكنعانيون هم الذين نافحوا عن الوطن الفلسطيني ما يربي على 4 قرون واستعصى على اليهود تدويخهم حتى زمن الملك داود. (3)

Shafi da ba'a sani ba