176

[95]

المطبق، فحبسه في مطبق اتخذه له. وأمر بأن يطوى خبره عنه، وعن كل أحد. فأقام فيه من أيام المهدي سنتين وشهورا، وجميع أيام الهادي، وخمس سنين وشهرين من أيام الرشيد. ثم ذكر يحيى بن خالد الرشيد بأمره، وشفع إليه فيه، فأمره بإخراجه، فأخرج وقد ذهب بصره، فأحسن إليه الرشيد، ورد إليه ماله، واختار المقام بمكة، فأذن له في ذلك، فأقام بها حتى مات في سنة سبع وثمانين ومائة.

وليعقوب بن داود شعر صالح، ومنه ما قاله عند مقامه بمكة، أنشده جرير بن أبي داود، قال: أنشدني سعيد ليعقوب:

طلق الدنيا ثلاثا ... واطلب زوجا سواها

إنها زوجة سوء ... لا تبالي من أتاها

وأنشد له أيضا:

قليل الهم، لا ولد يموت ... ولا مال تحاذره يفوت

رضي البال، ليس له عيال ... سليم من رزيت ومن بليت

قضى وطر الصبا، وأفاد علما ... فهمته التفكر والسكوت

وأكثرهم من يمشي عليها ... إذا فتشتهم، خلق وقوت

وحكي أن المهدي قال ليعقوب وقد دخل إليه: يا يعقوب، قال: لبيك يا أمير المؤمنين، تلبية مكروب بغضبك! فقال: ألم أرفع من ذكرك وأنت خامل، وأعل من قدرك وأنت غافل، وألبسك من نعم الله ما لم أجد لك بحمله يدين من الشكر؟ فكيف رأيت الله أظهر عليك، ورد كيدك إليك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إن كان ذلك بعلمك فتصديق معترف ومذنب، وإن كان بما كسبته نمائم الباغين، فعائذ بفضلك، فقال: والله لألبسنك من الموت قميصا لا يخلق الدهر جديده، يا غلام، المطبق. فولى وهو يقول: المودة رحم، والوفاء كرم، وأنت بهما جدير.

قال ميمون بن هارون: أخبرني أبو الحسن عمرو بن خلف الباهلي: أن يعقوب بن داود لما أطلق، سأل عن جماعة من إخوانه وأصحابه، فخبر بوفاتهم، فقال:

لكل أناس مقبر بفنائهم ... فهم ينقصون والقبور تزيد

فما إن تزال دار حي قد أخلقت ... وقبر لميت بالفناء جديد

Shafi 176