دايم دايم
ليلة «الغطاس» ليلة خصبة تحبل فيها العقول بالأحلام والأماني، فتلد العجائب والغرائب، وهنيئا لك يا فاعل الخير.
تربع الخوري نصر الله في تلك الليلة عن يمين الموقدة، وتقرفصت قبالته خوريته كأنها قفة ثياب.
الخوري معبس حيران، تارة يمشط لحيته الطويلة بأصابعه، وطورا يحكش النار وينفخها، فيتطاير الرماد في سماء العلية، ثم يستقر أجلى ما يكون على جبته، وقاووقه، والبلاس، فتصر الخورية فمها المتكرش فيصغر حتى يصير كالخاتم، تتذكر كم حفت ثياب الخوري ليظهر نظيفا يوم عيد الغطاس، فتتنهد وترقص على شفتيها كلمة ثم تتوارى، فتنفض ثيابها وكوفيتها بتأفف كأنه توبيخ لبق للمحترم العكش ولكنه لا يحس.
بماذا كان يفكر الخوري في تلك الساعة؟ أبنسله المقطوع فهو - علم الله - مؤمن بأنه ابن الكنيسة، وكل أبنائها ذرية واحدة لأب واحد هو المسيح، فسيان عنده أعقب أم لم يعقب؟ ثم ماذا يرتجي ابن الثمانين من مرأة تحبو إلى السبعين؟ ... لو كان علمانيا لترقب الموت فضاض المشاكل، ولكن الخورية كالصنوبرة إذا قطعت لا تفرخ ... فماذا يحير الخوري إذن؟ وما يشغل باله، وهو الحاكم المطلق وليس على الرعية إلا الطاعة؟ أنقول إنه مؤمن كالعوام من الناس بمرور «الفادي» على بيوت النصارى، ومن يعمل ساعة مروره عملا دام عليه، إن حسنا فحسنا، وإن سيئا فسيئا؟!
كل هذا تخمين، أما الثابت فهو أن الخورية لم تر زوجها قط كما رأته الليلة، حاولت أن تنبهه فقامت إلى مغزلها هاتفة: يا يسوع! ثم جاءت به من عن يمين مخدتها وقعدت قائلة: يا مريم! ولكن بلا جدوى. الخوري في دنيا غير هذه الدنيا، فانكبت أخيرا على نفش الصوف وغزله، غير منفكة عن التأمل في خوريها المنتصب أمام وجهها كالوتد.
وبعد صمت طويل فتح الخوري فمه وقال: كم رطلا عجنت؟
فتنهدت الخورية وأجابت: أربعة أرطال.
فقال: قليل! الضيعة كلها عندك الليلة.
فقالت وهي تعد على أصابعها: القمح، والحمص، والتين، والجوز، واللوز، والزبيب.
Shafi da ba'a sani ba