Wujudiyya: Gabatarwa Ta Gajarta
الوجودية: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
فريدريك نيتشه (1844-1900)
ولد في روكين بألمانيا. كان شديد الذكاء حتى إنه لقب بأستاذ فقه اللغة في جامعة بازل قبل أن يحصل على درجة الدكتوراه. بسبب تدهور صحته معظم سنوات حياته، تخلى عن أستاذيته بعد عشر سنوات وقضى العقد التالي متجولا في أوروبا، يكتب مقالات معروفة بفطنتها اللاذعة وإيمانها بالحياة. يعتبر نيتشه أبا الوجودية «الإلحادية»، وأشهر مقولاته هي «مات الإله»؛ بمعنى أن العلم الحديث جعل الإيمان بإله أمرا في غير محله. كانت المهمة التي حملها على عاتقه هي هزيمة العدمية التي استتبعها هذا الحدث. وقع فريسة للجنون خلال العقد الأخير من حياته.
إلا أن نيتشه، في حكايته الرمزية عن النبي التقي - زرادشت - يضع احتمال وجود خلق «أسمى» قائم على حرية/قدرة صياغة القيم. بشكل ما، مع «موت الإله»؛ أي مع استمرار انتهاء فكرة الرب اليهودي المسيحي، تواجه الأرواح الحرة (الأفراد الحقيقيون في نظر نيتشه) تحدي تحمل الامتيازات الإلهية، التي من أهمها صياغة قيم أخلاقية تؤمن بالحياة وقيم جمالية تحسن الحياة. يرى نيتشه أن «الإنسان حيوان مقيم»، وقيم النبل الأخلاقية وقيم الحسن الجمالية تندمج في مشروع تحويل حياة المرء إلى عمل فني. يمكن أن يحمينا هذا الاندماج بين النبيل والحسن من أنفسنا كما فعل مع الإغريق القدامى؛ أي يحمينا من اليأس الناجم عن إدراكنا بأن الكون لا يهتم. يحل الفن محل الدين، حسب رأي نيتشه، تماما مثلما سيعد لاحقا بنوع من الخلاص لأنطون روكوينتين - بطل رواية سارتر الفلسفية «الغثيان» - لذا يبدو أن أخلاقيات الحرية متاحة لهذه «الأرواح الحرة» التي تملك آذانا لتصغي وشجاعة لتؤيد صحة ما تسمعه. هل كان بإمكان هذه الأرواح الحرة أن تفعل غير ذلك؟ يبدو أن نيتشه يعتبر هذه مشكلة وهمية يثيرها الإيمان الخاطئ بالإرادة الحرة. في واقع الأمر، هم لن يفعلوا «غير ذلك»، لو كانوا حقا أرواحا حرة، بما أن نبل مولدهم وشخصيتهم يحتم عليهم أن يتصرفوا بهذا الأسلوب بالتحديد.
يرى نيتشه أن أخلاقياتنا اليهودية المسيحية الحالية هي نتيجة لممارسة إرادة القوة من جانب «العبيد» الذين عكسوا، أو «أعادوا تشكيل» فضيلة «الأسياد» الأصلية. حسب وصف نيتشه الرائع، أقر الزعماء «الوثنيون» الأصليون بفضيلة معززة للحياة لكل من النبيل والوضيع. كانت هذه القيم هي النقيض التام للفضيلة اليهودية المسيحية التي نعرفها. يفترض نيتشه أن طبقة العبيد الكهنوتية - مدفوعة بشعور «الامتعاض» ضد ممارسة السادة لإرادة القوة البسيطة والمعززة للحياة - أعادت تشكيل قيم السادة إلى تصنيفاتها الخاصة فيما نسميه اليوم «الخير والشر» الأخلاقيين عن طريق ممارسة خفية لإرادة القوة؛ ومن ثم، فإن الخير والشر لدى السادة (النبيل والوضيع) قلبا إلى الشر والخير لدى العبيد، على الترتيب. فما اعتبره السادة خيرا، حكم عليه العبيد بأنه شر، وما ازدروه لوضاعته أصبح «فضائل» في نظر العبيد، كالتواضع والرحمة وما شابههما. ينصح نيتشه «الأرواح الحرة» بفضيلة أسمى تتكون من عكس القيم المقلوبة للعبيد، مثل تحول الأنانية من نقيصة بالنسبة للعبيد إلى فضيلة بالنسبة للسادة، وهكذا؛ وبالتالي فإن هذه الفضيلة الجديدة (أو القديمة) «تتجاوز الخير والشر» حسب الأخلاقيات اليهودية المسيحية، لكنها تؤيد «الخير والشر» حسب فضائل السادة. في الوقت الذي كانت فيه ممارسة السادة لإرادة القوة صريحة وغير مقيدة نسبيا، اتسمت ممارسة العبيد ب «امتعاض» خفي ومنكر للحياة. وهذا العكس الذي يعلمه نيتشه للأرواح الحرة سيعزز الحياة مجددا. لكن ذلك موجه للقلة فقط.
يعرض نيتشه على أولئك القادرين اعتناق مذهب القدرية الذي يعد أكثر تحديا للروح الوجودية من الجبرية التي تحدثنا عنها للتو. طبقا لهذه النظرية، فإننا مقدرون لعمل ما نفعله بالضبط. يطلق نيتشه على هذا فرضية «التكرار الأزلي». وهو يرى أن ذلك نابع من حقيقة أن خياراتنا محدودة لكن الزمن غير محدود. وهكذا، كما يفسرها، فأيما ما يحدث سيتكرر لعدد لا يحصى من المرات. لو كانت الجبرية تسترجع الماضي، فالقدرية تستشرف المستقبل؛ فهي تدور حول ما يسجل في كتاب الحياة، الذي لم تقلب صفحاته بعد. بالنظر إلى هذا الموقف، ليست نصيحة نيتشه استسلاما سلبيا، لكنها «حب للقدر» يتسم بإيجابيته، كما كان يعظ الرواقيون القدامى. سوف نعود إلى تناول كامو لهذا المذهب لاحقا. لكن سواء تقبل المرء هذه النظرية حرفيا أو قرأها - وهو الأكثر معقولية - كأمر أخلاقي للتصرف بشجاعة وحذر، أي «التحرر من الماضي بفعل قوي الإرادة»، كما يحث زرادشت، فإنها تثير مجددا مسألة مدى «حريتنا» في اتباع نصيحة نيتشه أو رفضها. وهذا في حد ذاته مفارقة مناسبة لكيركجارد.
المثير للاستغراب أن شخصية القاضي ويليام التي وضعها كيركجارد تواجه محب الجمال الشاب قليل الحظ بتحد مماثل شيئا ما عن طريق الإشارة إلى نوع من التكيف النفسي الاجتماعي:
من وجهة نظري فإن لحظة الاختيار جادة للغاية ... بسبب ... خطورة أنه في اللحظة التالية قد لا تكون لدي نفس القدرة على الاختيار، وأن شيئا قد جرب لا بد من تجربته مجددا. التفكير في أنه للحظة يستطيع المرء أن يبقي شخصيته خاوية، أو بشكل أدق، يستطيع المرء أن ينفصل ويوقف مسار حياته الشخصية، هو وهم. فالشخصية تكون مهتمة فعلا بالاختيار قبل أن يختار المرء، وعندما يؤجل اتخاذ الاختيار تختار الشخصية بصورة لاواعية، أو تقوم قوى غامضة داخلية بالاختيار. وهكذا، عندما يتخذ الاختيار أخيرا، يكتشف المرء (ما لم تكن الشخصية قد تبدلت كلية، كما أشرت سابقا) أن شيئا يجب أن يتكرر، شيئا يجب أن يبطل، وهذا في العادة صعب للغاية.
في حالة كيركجارد، فالاختيار تبادلي مع «الذات» حتى إنه يؤسس ويعبر . و«الشخصية» هنا تشبه أكثر «غريزة» نيتشه الضمنية التي تحث على اتخاذ القرار وتعتبر الوضع التلقائي للإنسان. أو ربما الأفضل القول إنها عادة ناتجة عن تراكم الاختيارات السابقة، وفي هذه الحالة يمكن الحفاظ على استقلالية الخيار الوجودي.
كتب سارتر مقالا بعنوان «الحرية الديكارتية» طور فيه رؤية نيتشه بأننا - في غياب الإيمان بالله - يجب أن نتحمل مسئولية الحرية المطلقة التي نسبها ديكارت إلى الذات الإلهية. من الناحية الفينومينولوجية، يعني هذا أن كل «العالم» (أفق غاياتنا) هو خلقنا الذي نتحمل عنه كامل المسئولية. ويصر قائلا: «لا حجة لنا.» مثل نيتشه، ركز سارتر تركيزا أساسيا على خلق القيم الأخلاقية، كما رأينا. لكن على عكس سابقه، ادعى أن هذه القيم كانت نتيجة «اختياراتنا» الإبداعية. أما نيتشه، فعلى العكس بدا مؤمنا بأن «أولئك الذين يستطيعون أن يسمعوا» - أي الأرواح الحرة - قادرون بالفطرة على التأثر بقوة حججه التي تهدد القطيع أو تستعصي على فهمه. لو كان هذا حقيقيا، فإنه يؤيد نوعا من الجبرية النفسبيولوجية (يجب أن نتبنى ما نرى أنه الحجة الأقوى، والأرواح الحرة فقط هي القادرة على تقدير تلك الدوافع التي تعزز الحياة بشكل لائق). وهذا يفصله عن سارتر ودي بوفوار، لكن ليس عن كيركجارد، كما رأينا للتو. (3) «التفلسف في ضوء الاستثناء»
أول من قدم فلسفة «الوجودية» كان الطبيب النفسي والفيلسوف الألماني كارل ياسبرز. ومع أنه أفرد العديد من الصفحات لنيتشه وبضع صفحات فقط لكيركجارد، فربما كان الثاني هو أكثر من أثر فيه. كان ياسبرز أول مفكر بارز يتحدث عنهما كثنائي. وعلى الرغم من آرائهما المتناقضة حول وجود الله، اعتبر ياسبرز أن كيركجارد ونيتشه هما أهم مفكرين في القرن التاسع عشر بعد هيجل، والمفكران اللذان مهدت أعمالهما بشكل فعال للفكر الأوروبي في القرن العشرين. عندما بدأ النظام النازي يحكم قبضته على المجتمع الألماني وثقافته في عام 1935، تحدث ياسبرز - وهو شخصية شجاعة معادية للنازية - بالآتي في محاضرة عامة: «بخصوص الوضع المتعلق بالتفلسف والحياة الواقعية، يعلق كيركجارد ونيتشه على الكارثة الوشيكة التي لم يدركها أحد في ذلك الوقت (إلا كإحساس داخلي وقتي وسريع النسيان) لكنها كانت واضحة لهما.» هذه الكارثة تمثلت في التقليل من قيمة ما سماه ياسبرز ب «الوجودية» (الطريقة الإنسانية اللائقة للوجود) لمصلحة صورة ساذجة من المعرفة العلمية. دون الانزلاق إلى اللاعقلانية ومع كامل الاحترام لقوى المنطق وقيوده التي تقود حياتنا، انتقد كل من كيركجارد ونيتشه التفسيرات «المنهجية» مثل تلك التي قدمها هيجل عن وجودنا الغامض والمحير. لقد تحدث كلاهما إلى الفرد، إلى الذات التي تتمتع بالروح القادرة على فهم ما يقومان بتعليمه وقبوله. في هذا الشأن اقتبس كيركجارد ما قاله الكاتب الساخر والعالم الألماني من القرن الثامن عشر جورج كريستوف ليتشنبيرج في إحدى قصائده الساخرة: «هذه الأعمال مثل المرايا؛ لو نظر بها قرد، فلن تنعكس عليها صورة مصلح أخلاقي.»
Shafi da ba'a sani ba