Wujuda Diniyya
الوجودية الدينية: دراسة في فلسفة باول تيليش
Nau'ikan
THEOCENTRISM
إلى التصور المركزي حول الإنسان
ANTHOROPOCENTRISM
انتهى إلى خسارة الاثنين معا؛ فقد كان الله أولا بلا إنسان، ثم أصبح الإنسان ثانيا بلا إله. وفي كلتا الحالتين ضاع الإنسان لغيابه أولا، ثم لحضوره وحيدا ثانيا. أعلن نيتشه «أن الله قد مات» في أواخر القرن الماضي حتى يحيا الإنسان. ثم أعلن رولان بارت «أن الإنسان قد مات». فمن الذي يعيش الآن؟ ومن ثم ضاعت القيم، وانهارت الحضارة، وعم العدم، وانتشر الموت في الروح، ما دام الإنسان هو النسبي، إنسان القوة والمصلحة، إنسان بروتاجوراس؛ لذلك حاول تيليش العودة إلى الأساس الإلهي لبناء الوجود الإنساني والحضارة الإنسانية على الشرعية الإلهية (الثيونومي).
ومن هنا أتت ضرورة إعادة بناء الفكر الديني طبقا لكل عصر. فقد عكس كتاب الأناجيل تصورهم للعالم، وأحوال عصرهم. فالإيمان منذ البداية كان يعبر عن حالة الجماعة المسيحية الأولى، تجربة معاشة، كما تشكلت العقائد في المجتمع وفي حياة الناس، وكما عرضت مدرسة «تاريخ الأشكال الأدبية» عند بولتمان وديبليوس. وهذا يستلزم تحديث اللاهوت حتى يعبر عن أوضاع كل عصر.
واللاهوت قادر على الاستجابة لمتطلبات كل عصر. فاللاهوت كالأيديولوجية السياسية وكالمذهب الفلسفي. وتستطيع الذاكرة أن تقوم بإعادة البناء هذه، بما لديها من رصيد تاريخي طويل. ولا فرق في ذلك بين المسيحية وسائر الأديان في ضرورة إعادة البناء طبقا لحاجات العصر.
لقد انتهت العلمانية الغربية إلى إنسان ومجتمع بلا إله؛ لذلك يعيد تيليش بناءها حتى تقوم على أساس من القيم الثابتة باسم الدين وليس ضده؛ لذلك يظهر الله باعتباره رمزا دينيا ليس كما يتصوره اللاهوت، بل كما يتصوره فيلسوف التعالي والمفارقة، أو ما أسماه المسلمون «التنزيه»، حتى يتجاوز الوعي ذاته باستمرار إلى ما هو أعلى وأشمل وأعم. وعلى هذا النحو يمكن تجاوز الاشتراكية المادية كما تمثلت في الماركسية، أو الاشتراكية القومية كما تمثلت في النازية، إلى الاشتراكية الدينية التي تقوم على الإيمان بالله وعلى المساواة بين البشر.
وتمتاز هذه الدراسة بقدرة على الفهم والتعمق للموضوع ووضوح العرض، وبالثقافة الواسعة والاعتماد على الدراسات السابقة، والإحالة إلى المراجع. تجمع بين تحليل المصادر الأصلية والدراسة المباشرة للنصوص الأولى. لم تكتف بما قيل في الموضوع، ولم تقتصر على التحليل المباشر للمادة العلمية، بل جمعت بين الاثنين؛ بين اجتهادات السابقين واجتهاد المحدثين.
ومع ذلك يكتفي البحث بالعرض دون التطوير، وبالتعاطف دون النقد، وبالحماس للموضوع دون التباعد عنه، الضروري للحكم عليه. وربما غاب عنه التركيز على قضايا المجتمع والعدالة الاجتماعية والسياسية كما غاب وضع الآخر خارج الحضارة الأوروبية، وضع الإنسان الوجودي في العالم الثالث . كما غابت المقارنات مع حضارات أخرى قد تكون قد اجتهدت أيضا في تأصيل اللاهوت الوجودي في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
والدكتورة يمنى طريف الخولي صاحبة هذه الدراسة أستاذ بقسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة، تلميذة لي، تشرفت بالتدريس لها على مدى أربع سنوات في السبعينيات، وهي صاحبة وجهة نظر شاملة للفلسفة، لا تقتصر فقط على فلسفة العلوم - وهو تخصصها الدقيق - بل تمتد اهتماماتها إلى الفلسفة الإنسانية والاجتماعية بوجه عام، كما هو الحال عند فيلسوفها «كارل بوبر». تعيش فكرها وتخلص له، تؤمن بما تكتب، وتكتب ما تؤمن به. وعت الفكر منذ أن كانت طالبة، واجتهدت فيه في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، حتى ترقيتها. ما زالت تعطي، في فلسفة العلوم، وفي الفلسفة العامة. الفكر لديها حياة، والفلسفة لديها التزام، والبحث قضية، والعلم موقف. الفلسفة لديها رسالة وليست مهنة، دعوة وليست حرفة، نبوة وليست كهانة. وبهذه الدراسة تفتح الطريق لمزيد من الدراسات اللاهوتية المعاصرة، حتى نتجاوز مفهوم اللاهوت الثابت الأبدي: نظرية الذات والصفات والأفعال، لاهوت كل العصور. فاللاهوت متغير بتغير العصر، يعبر عن روحه وثقافته واحتياجاته. اللاهوت علم إنساني، يكشف عن طبيعة الموقف الإنساني، وعن تغيره بتغير المجتمعات ومراحل التاريخ.
Shafi da ba'a sani ba