Wujuda Diniyya
الوجودية الدينية: دراسة في فلسفة باول تيليش
Nau'ikan
4
وصاغت منه عام 1929م المصطلح الدال على هذا الاتجاه الفلسفي، كما ذكرنا. والحق أن تيليش لا يغالي كثيرا في تقدير قيمة شلنج؛ فقد كتب كيركجور في يومياته بتاريخ 22 فبراير سنة 1842م يقول: «أنا سعيد سعادة لا توصف لسماعي محاضرة شلنج الثانية حتى إنني تنهدت طويلا بما فيه الكفاية، وتنهدت الأفكار بداخلي.»
5
ولا يغيب عن بال تيليش الفوارق بين الأصول والإرهاصات التاريخية الواسعة النطاق، وبين الريادة الموحية وبين النشأة وبين النضج؛ فقد قام في كتابه «شجاعة الكينونة» بمسح تاريخي سريع - كعادته كرره في كتب أخرى - استخرج فيه عناصر وجودية من فلسفة كل فيلسوف تقريبا من الفلاسفة العظام، حتى أبعدهم عن الوجودية، بدءا من أفلاطون وأفلوطين، وطبعا أوغسطين، ومن معظم الاتجاهات الكبرى في الفلسفة الوسيطة حتى الاتجاهين الواقعي والاسمي، ثم كوميديا دانتي ومدرسة فلورنسا حتى كانط نفسه بل وهيجل!
وصولا إلى شلنج وشوبنها ووماكس شتيرنر وكارل ماركس وطبعا نيتشه؛ وانتهاء بالبرجماتية وجيمس، ودلتاي وبيرجسون، وصمويل ألكسندر، وماكس فيبر وغيرهم، وطبعا الأدباء العظام أمثال بودلير ورامبو في الشعر؛ وفلوبير ودستويفسكي في الرواية؛ وإبسن وشتريندبيرج في المسرح. وهو في هذا يسلم قطعا بأنهم ليسوا وجوديين بالمعنى الدقيق للمصطلح، فقط حملوا اعتراضا ضد تشيؤ الإنسان وتموضعه. وفي النهاية يؤكد أن الفلسفة التي ظهرت في القرن العشرين شيء آخر، إنها أسطع وأقوى وأخطر معنى للوجودية، وهي فقط التي تنشغل بمشكلة المعنى حين تتحدث عن التناهي والذنب، وهي التي حين قدمت إلى ألمانيا - المنبت والموطن للوجودية - مثلت له فهما جديدا للعلاقة بين اللاهوت والفلسفة.
ومن ثم أحس تيليش بروح تلك الفلسفات الثلاث: شلنج - كيركجور - نيتشه، وقد انصهرت واندمجت معا في فلسفة هيدجر. وإذا كان تيليش يجاهر بولائه لشلنج، فإن أسلوب ومضمون فلسفته، بل وطبيعة مصطلحاته تؤكد أن هيدجر هو في الواقع أعظم المؤثرين عليه، ونحسب أن هيدجر هكذا بالنسبة لكل وجودي ذي اعتبار، خصوصا إذا كان لاهوتيا؛ وتيليش على أية حال يرى أن كتاب هيدجر (الوجود والزمان
Sein und Zeit ) أهم ما أخرجه الفكر الألماني في القرن العشرين، بعد كتاب إدموند هوسرل (دراسات منطقية
logische Untersuchungen ) الذي أسس به الاتجاه الفينومينولوجي، وقد استفاد تيليش كثيرا من الفينومينولوجيا، وكما سبق أن رأينا العلاقة التي توثقت بينها وبين الوجودية، يؤكد تيليش على العلاقة الوثيقة بينها وبين اللاهوت، فيقول: «لا بد أن يطبق اللاهوت التناول الفينومينولوجي على كل مفاهيمه الأساسية»؛
6
لأنه مقدمة تمهيدية ضرورية لمناقشة صحتها وفعاليتها. •••
Shafi da ba'a sani ba