275

Wisata

الوساطة بين المتنبي وخصومه

Editsa

محمد أبو الفضل إبراهيم، علي محمد البجاوي

Mai Buga Littafi

مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه

فخبر عن قُربها لأنها إذا بعُدت تُخيِّلَتْ ولم تُر، وإنما يكون قُربُها متوقعًا للفريسة، وهذا يؤيد المعنى، ثم قال: ثقة أن سَتُمار، فجعلها واثقة بالميرَة، ولم يجمع هذه الأوصاف غيرُه، فأما أبو نواس فإنه نقل اللفظ ولم يزد فيفضَّلُ. وقال أبو الطيب:
سَحابٌ من العِقبان يزحَفُ تحتَها ... سَحابٌ إذا استَسْقَتْ سقَتْها صوارمُهْ
فزاد إذ جعلها سحابتين، وجعل السحابة السفلى تسقي ما فوقها، وهذا غريب، وقد يعيبُه المتكلّفون في هذا البيت بأمرين: أحدُهما أنّ السحاب لا يسقي ما فوقه، والآخر أن العقبان والطير لا تستقي، وإنما تستطعِم، فأما إسقاء ما فوقه فهو الذي أغرَب به، ولم يجعل الجيش سحابًا في الحقيقة فيمتنع إسقاؤه ما فوقه، وإنما أقامه مقام السحاب من وجهين لتزاحمه وكثافته، وقد فعلت العرب ذلك في أشعارها، وأما أنه يستسقي كاستسقاء السحاب فلأنه لما سماه سحابًا جعله يستسقي. وقد قال أبو تمام في صفة المنجنيق:
أرض على سمائها درور
مع أن الطير لا تُصيبُ فرائسها وهي في الجو، وإنما تهبط الى الأرض فهي تستسقي والسحاب الساقي عال عليها، وأما استسقاء الطير فجار على عادة العرب في استعارة هذه اللفظة في كل طلب، تعظيمًا لقدْر الماء، ولذلك قال علقمة:
وفي كل حيٍ قد خبطْتَ بنعمة ... فحُقّ لشأسٍ من نداك ذَنوب
وقال رؤبة:
يا أيها المائح دلوي دونَكا
وهما لم يستسقيا ماء، وإنما طلب أحدهما مالًا واظتطلق الآخر أسيرًا. ولذلك

1 / 275