ثم انقضت تلك السنون وأهلها ... فكأنها وكأنهم أحْلامُ
كيف يتصور فيه ذلك الكلام الغثّ! وأعجب من ذلك شاعر يرى هذه الغُرَر في ديوانه كيف يرضى أن يقرن إليها تلك الغُرَر! وما عليه لو حذف نصف شعره، فقطع ألسنَ العيب عنه، ولم يشْرَعْ للعدوّ بابًا في ذمّه!
ومن جنايات هذا الاختيار على أبي تمام وأتباعِه أن أحدَهُم بينا هو مسترسِل في طريقته، وجارٍ على عادته يختلِجه الطّبع الحَضري، فيعدل به متسهلًا، ويرمي بالبيت الخَنث، فإذا أُنشد في خِلال القصيدة، وُجِد قلقًا بينها نافرًا عنها؛ وإذا أُضيف الى ما وراءه وأمامه تضاعفت سُهولته، فصارت رَكاكة. وربما افتتح الكلمة وهو يجري مع طبْعه، فينظم أحسن عِقْد، ويختال في مثل الروضة الأنيقة، حتى تعارضه تلك العادةُ السيئة فيتسنّم أوْعرَ طريق، ويتعسّف أخشن مرْكب، فيطمس تلك المحاسن، ويمحو طُلاوة ما قد قدّم؛ كما فعل أبو تمام في كثير من شعره؛ ومنه قوله:
لو حار مرتادُ المنية لم يجد ... إلا الفراقَ على النفوس دليلا
قالوا الرحيل؛ فما شككت بأنها ... نفسي من الدنيا تريدُ رَحيلا
الصبر أجملُ غير أنّ تلذذًا ... في الحب أحرى أن يكون جَميلا
أتظنني أجد السّبيل الى العَزا ... وجد الحِمام إذًا إليّ سبيلا
ردّ الجَموحِ الصّعبِ أسهلُ مُطلبا ... ؤمن ردّ دمْعٍ قد أصابَ مَسيلا
ذكرتكُم الأنواء ذِكْرى بعضكم ... فبكت عليكم بُكْرةً وأصيلا
إني تأملت النوى فوجدتها ... سيفًا على أهل الهوَى مسلولا
1 / 22