وأصبحت بيمونته لا تستطيع أن تعتمد على أي مساعدة إيطالية في الحرب المقبلة كما أنه لا أمل لها في مساعدة الأجنبي، ورغب لويس نابليون في أن يحارب في جانب بيمونته إلا أنه لم يجد وزيرا واحدا يقول برأيه، كما أن باستيد وبالمرستون قد أساءهما رفض بيمونته التفاهم مع فينا، فعليه يتضح أن بيمونته سوف تضطر لأن تقف وحدها في وجه الإمبراطورية النمسوية العظيمة.
ومع ذلك فإن بيمونته حين أيقنت أن الاستمرار على الحرب أمر لا بد منه أظهرت شجاعة فائقة كانت تتصف بها، ولما استقال جيوبرتي وتولى الجنرال «جيودو» رئاسة الوزارة بقي جميع وزراء جيوبرتي في الوزارة الجديدة، وكانت جنوة تلتهب حماسة للحرب، وكانت مدينة نيس إيطالية الشعور شأنها شأن بيمونته.
ولم يكن في المجلس النيابي من لا يتحسس للحس القومي الإيطالي سوى نواب صافويه حتى إن بيمونته نفسها لم تعد تسودها تلك الحماسة العامة التي أقامت البلاد وأقعدتها قبل سنة، فالرهبان الذين ساروا على خطة البابا في ترك القضية أخذوا يستعملون نفوذهم في التأثير في القرويين الفقراء في بعض المدن.
وازدادت قوة الجيش حتى بلغت ثمانين ألفا، إلا أن بعض الكتائب كانت مؤلفة من المستجدين أو من المتزوجين الذين كانوا ينتظرون حين العودة إلى بيوتهم بفارغ الصبر، وكان الملك قد ترك قيادة الجيش، ولما فشلت المساعي للحصول على قائد إفرنسي اختير الجنرال البولوني جرزرانوفسكي قائدا للجيش، وكان قد برز في الحروب واشتهر بصداقته للحرية.
انتهت الهدنة في 12 أيار، ولكن الجيش البيمونتي كان منتشرا على طول أنهر تسينا وأوليجيو وبو، واجتازت فرقة مارمورا مضيق سيزا لإشعال الثورة في لمبارديه، وكان القسم الأكبر من الجيش بين «نوفاره ومورتاره»، وبينما كان البيمونتون قد شتتوا قواتهم - كما رأينا - كان راديتسكي قد استعد لإنزال الضربة القاضية، فبعد أن ترك حامية ضعيفة في ميلانوا جمع خمسة وسبعين ألفا في بافيه وشرع مساء يوم 20 آذار باجتياز نهر تسينا.
وبعد معارك استمرت يومين اضطر الجيش البيمونتي إلى الانسحاب، فقرر جرزانوفسكي الاستعداد للمعركة أمام نوفاره بقوة لا تتجاوز الخمسين ألفا، وعلى الرغم من أن الفرصة كانت سانحة للوقوف أمام الجيش النمسوي الذي كان يطارد الجيش البيمونتي ببطء وحذر، فإن المعركة التي نشبت صباح يوم 23 آذار واستمرت إلى المساء قد خسرها الجيش البيمونتي بسبب جهل القيادة وسوء التدبير في التموين، وقد اشترك الملك في المعركة مستهدفا للموت، ورغم الانكسار أراد الاستمرار على القتال إلا أن قواده رفضوا ذلك فاضطر إلى طلب الهدنة.
ولما اشترط راديتسكي شروطا ثقيلة تأباها نفسه تخلى عن الملك واجتاز خطوط النمسويين متنكرا في طريقه إلى منفاه القصي.
الفصل السابع عشر
شباط 1848-أيار 1849
ظلت نابولي في السنة المنصرمة منعزلة عن الحركة الوطنية، وكان كرياتي الذي تولى الوزارة بعد الارتجاع رجلا ذا هدف ومطمح إلا أنه كان ضعيف الإرادة جدا؛ فلذلك ظل بوزيلي العضو النافذ في الوزارة، وأخذ كرياتي يدير دفة الدولة بين الكاماريلا «الجماعات الذين ساعدوا الملك على حركة الارتجاع» وبين البرلمان، همه الوحيد الاحتفاظ بمنصبه الذي رفعه من فقر مدقع إلى ثروة طائلة، وأصبح ألعوبة بيد الملك أيضا.
Shafi da ba'a sani ba