فإذا علمنا ذلك كله تتضح لنا الأسباب التي أحرجت الطليان فأخرجتهم، ودفعتهم إلى الاحتجاج اليائس وقادتهم إلى طريق المؤامرات، حقا إن الاعتساف الشائن الذي ينزل بالأشخاص والاستهتار بالعدالة والقيود التي لا تطاق والتي فرضت على الحياة الشخصية؛ كل ذلك حفز الطليان على الثورة، وإذا أضفنا إلى ذلك كله فقدان الحياة السياسية في إيطالية؛ تجلى لنا سوء الحالة؛ إذ كيف يرضى الإيطاليون أن يروا أن لفرنسة وإسبانية والبورتغال مجالس نيابية بينما هم محرومون حتى من الاجتماعات، ومن حق تأليف الأحزاب السياسية في بلدهم فضلا عن أن حرية الكلام والكتابة مقيدة، وانتقاد سياسة الحكومة محظور وليس لهم رأي في الضرائب المفروضة عليهم ولا يستشارون في المسائل الاشتراعية.
إذن ليس من الإنصاف أن نلوم إيطاليي ذلك الحين؛ لأنهم إذا كانوا غير متحلين بفضائل المواطن الاعتيادية، ولأن عقيدتهم لم تتعد النظريات والمناهج، وأنهم قصروا في الثبات وفي الناحية العملية؛ فإن هذه النقائص كلها نتيجة لازمة لوضعهم المخيف الذي لم يكن يشجع بتثقيفهم ولا بتدريبهم على احتمال المسئوليات.
الفصل السابع
الكاربوناريون الأخيرون
1823-1832
ظن الناس حين باءت الثورات في نابولي وبيمونته بالفشل، وحين قضي على المتآمرين اللمبارديين أن الحركة الثورية في إيطالية قد ماتت مع أنها كانت في حالة التحفز، والحقيقة أنها دخلت في طور جديد؛ إذ بدأ رجال جمعية كنجلياتورة يقولون بالعدول عن أسلوب الثورة العمياء على - الاستبداد - إلى حركة منظمة حكيمة، وليدة تفكير تعنى كثيرا بترقية المستوى العقلي ولا تقتصر على إحداث تبدلات - سياسية.
وكانت الحركة الرومانتيكية في الآداب تعني أكثر من مجرد رقي أدبي، وعلى العكس من ذلك المدرسة الكلاسيكية القديمة؛ فإنها ظاهرة أدبية أكثر منها سياسية واجتماعية، وقد شجع نابليون المدرسة الكلاسيكية لأنها تلائم أهدافه فهي مدرسة تخلو في أسلوبها من معاني التقدم، وليس لها مثل عال، وتقوم على أساطير روما الإمبراطورية.
والمعلوم أن الألمان قد
وقصصا وحياة شعبية، خليقة بأن تنظم فيها القصائد الحماسية والأشعار الغنائية، وأخذت هذه المدرسة الحديثة في ألمانية تذكي الروح الاستقلالية، وتلهم الشعراء المعاني الوطنية، وتبث في الألمان روح الإيمان بالوطن الكبير.
وقد وصلت هذه المدرسة التي اتسمت بادئ بدء بطابع التجدد إلى إيطالية، عن طريق ألمانية وإنجلترة بواسطة أساتذتها من أمثال بايرن ومكفرسن وشيلر وجوتي، وكان من نتيجة ذلك أن فعلت الآداب الرومانتيكية في الطليان ما فعلت بالألمان؛ إذ أرجعتهم إلى ماضيهم، وأظهرت لهم أن تقاليدهم التي جعلها «سيسموندي»
Shafi da ba'a sani ba