وأصبحت وزارة تورينو التي كانت تهب تارة مع رياح باريس وأخرى مع فلورنسة؛ أي ذات اليمين وذات الشمال؛ موضع مقت العموم، وكان رتازي الذي خشي أن يتهم بالخيانة مستعدا للموافقة على وصاية الأمير «كاريجناتو» ولولا أن زملاءه كانوا لا يزالون يتخوفون من قطع العلاقات مع فرنسة، وعليه فإن الوزارة أجابت الإمبراطور بأنها ترفض فكرة الاتحاد وتركت قضية الانضمام إلى الظروف دون أن تحرك بشأنها ساكنا.
وكان مازيني قد عاد إلى فلورنسة بعد معاهدة فيلافرنكة؛ حيث ساعده ريكاسولي على الإقامة فيها بشرط أن يعده بأن لا يظهر أمام الناس، وقد وافق مازيني على تعضيد فيكتور عمانوئيل بعد أن أبدى تحفظاته المعلومة إذا اقتنع بأن إعلان الجمهورية في مثل تلك الساعة يضعف شأن الحزب القومي من جهة ولا يفيد حزبه من جهة أخرى، ثم إنه عظم في نفسه خطر قيام مملكة نابليونة في الوسط.
وقد أوفد كريسي إلى صقلية لإثارة الثورة فيها، وألح على استرداد بيروزه، الأمر الذي «حسبما كان يعتقده» من شأنه أن يمد لهيب الثورة إلى أومبريه والمارك حتى إيالة بيروزه وبذلك يجعل آل بوربون بين نارين، فإذا تمت الوحدة الإيطالية قبل اجتماع المؤتمر فلا بد للمؤتمر من أن يقبل بالأمر الواقع، وبث لافارينا بالاشتراك مع الجمعية القومية من دون الاتصال بمازيني لجان الجمعية في جميع أنحاء الروماني، فاجتازت هذه اللجان الحدود وتوغلت في أومبرية والمارك وأخذت تجمع السلاح وتعد الناس للثورة في الإيالات المضطهدة حتى أصبح الانفجار على وشك الوقوع.
ولو ثار أهل أومبريه لصعب منع المواطنين من أهل الروماني عن الإسراع إلى نجدتهم، ولكان قد حالوا دون توغل جنود البابا في الروماني، واشتدت نفرة الناس من سياسة تورينو الهوجاء ورغبتهم في إجبارها على السير حتى إن أناسا لم تكن لهم أي علاقة بالدموقراطية أخذوا ينجرفون مع التيار.
وقد أرسل فاريني وفانتي من قطعات طوسكانه ومودينه إلى الحدود من دون علم ريكاسولي ووضعاها تحت قيادة غاريبالدي وأمراه أن يصد كل هجوم وأن يطارد المهاجمين إلى وراء الحدود.
وإذا ما نشبت ثورة في المارك وأومبريه فليسارع إلى إنجادها، وافتتح غاريبالدي اكتتابا لشراء مليون بندقية واستطاع ببياناته المثيرة أن يجعل الرأي العام في هياج محموم، وفزع ريكاسولي من كل هذا وخشي من معارضته الرأي العام الكاثوليكي في أوروبا لفكرة الانضمام وإجبار الإمبراطور على سحب وعده بصيانة الاستقلال الإيطالي.
وبلغ الذعر في الوزارة البيمونتية التي تأثرت بالرسالات الواردة من باريس حتى فكرت معه في فسخ الحلف العسكري وتسريح نصف الجنود، ولكن ريكاسولي عارض هذا المشروع الطائش معارضة شديدة وحال دون تنفيذه، ثم نزل الملك إلى الميدان واستدعى غاريبالدي إلى تورينو في 29 تشرين أول وأجبر الجنرال فانتي على الانسحاب من منصبه.
ووصل غاريبالدي إلى تورينو فلم يشأ الملك أن يضغط على قائده الجزوع غاريبالدي الذي امتنع من الوعد بعدم اجتياز حدود أومبريه بعد أن تعهد بمساعدة الثورة إذا ما نشبت، ولما عاد إلى ريمني توقع أن يتسلم القيادة العامة لمناسبة استقالة فانتي وراح يشرع في استعداداته لاجتياز الحدود، وأخذ رجاله يحرضون الناس على الثورة في المارك.
وكان المجلس التمثيلي في بولونيه قد ألجأ سبيريماني على الانسحاب، وأناط الدكتاتورية بفاريني الذي وحد بين الروماني والدوقيتين بعنوان إميليا، وطلب إلى فانتي بأن يعود إلى منصبه ثم أخذت الاعتراضات والشكاوى ترد من جميع بلاطات أوروبا ضد ما يجري في إيطالية الوسطى، فاستعمل كافور جميع نفوذه في معارضة مشروع الثورة في أومبريه والمارك، ولم يظهر أهل أومبريه استعدادهم للثورة؛ ولذلك قرر فانتي وفاريني منع اجتياز الحدود واستدعيا غاريبالدي إلى بولونيه، وأخذا منه وعدا بالكف عن مشروعه، غير أن خصومه الألداء زوروا برقية تخبره بنشوب الثورة فأمر غاريبالدي على إثر ورود البرقية جنوده باجتياز الحدود، ولكن فانتي أسرع فأصدر إليهم أمرا مناقضا لأمر غاريبالدي فامتثل الجنود لأمره الأخير، ومني غاريبالدي بخيبة مرة شديدة فعاد على جناح السرعة إلى بولونيه وأصر على فانتي وفاريني بأن يستقيلا فأجاباه بالرفض البات، ولم يكن غاريبالدي يستطيع أن يجبرهما على الاستقالة.
وبعد مرور يومين على هذا الحادث دعي إلى تورينو؛ حيث أقنعه الملك بترك القيادة والعودة إلى حياته الخاصة، والحقيقة أنه لو تقدم غاريبالدي برجاله لوجد أمامه قوات روما ونابولي الممتدة، ولو أقدمت النمسة على التدخل لوجد نفسه بين نارين لا يستطيع أن يتملص منهما ، ومع ذلك فإن حادثة غاريبالدي لم تكن سوى أمر ثانوي كما عبر عنها ريكاسولي، بيد أنها دلت على مقدار ما تتعرض له الحركة القومية من الأخطار بسبب الفوضى وفقدان التنظيم.
Shafi da ba'a sani ba