What is Commonly Narrated Yet Unsubstantiated in the Prophetic Biography
ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية
Mai Buga Littafi
دَارُ طَيبة
Nau'ikan
ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية
تَألِيفُ
محمَّد بن عَبد الله العوشن
دَارُ طَيبة
Shafi da ba'a sani ba
المقَدِّمَة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد، فهذا بعض (ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية) على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، ولم أتقصّد ذكر جميع المرويات الضعيفة فيها، فهي كثيرة جدًا، لكني اقتصرت على أشهر المرويات، التي يكثر ورودها في كتب السيرة والمغازي.
والهدف من ذلك تنقية السيرة من هذه الأخبار التي لم تثبت، وكما عمل المحدّثون على تنقية الحديث النبوي، ونخله؛ لتمييز صحيحه من سقيمه، كذلك فإنّ من الواجب عمل ذلك في هذه السيرة العطرة، وما أجمل ما قاله الإِمام عبد الله بن المبارك ﵀: "في صحيح الحديث غُنية عن سقيمه" فكذلك في صحيح السيرة ما يغني عن سقيمها.
ومما ينبغي أنّ يُعلم أن الشهرة والتداول للقصة، أو الرواية ليس دليلًا على ثبوتها، "فلا تلازم بين الشهرة والصحة (١) "."ولا يعني ذلك نفي وقوع الأمر تاريخيًا، بل عدم ثبوته فقط" (٢)، ومن المعروف أن أكثر مرويات السيرة من طريق الإِمام محمَّد بن إسحاق ﵀ إمام أهل السيرة والمغازي، ومَنْ بعده ناقل عنه في الغالب (٣)، وابن إسحاق تكلّم فيه علماء الجرح والتعديل، وفي حفظه، وضبطه، وبيّنوا أنه حسن الحديث خاصة في السيرة، ما لم يُعنعن، لأنه قد عُرف بالتدليس، قال الإِمام البيهقي ﵀: "الحفّاظ يتوقّون ما ينفرد به ابن إسحاق" (٤).
_________
(١) الألباني، السلسة الضعيفة (١٣/ ١١١٢).
(٢) أكرم العمري، السيرة الصحيحة (١/ ٦٢).
(٣) لا توجد نسخة كاملة من سيرة ابن إسحاق، والموجود تهذيب سيرة ابن هشام لها (محمَّد حميد الله، سيرة ابن إسحاق، المقدمة).
(٤) السنن الكبرى (٩/ ٨٧).
1 / 3
قال الإِمام الذهبي ﵀: "الذي استقر عليه الأمر أن ابن إسحاق صالح الحديث، وأنه في المغازي أقوى منه في الأحكام (٥) ".
وأكثر هذه المرويات قد أشار أهل العلم ﵏ إلى ضعفها، وعدم ثبوتها، ومن أجل من نقدها، وبيّن حالها: مؤرخ الإِسلام الإِمام الحافظ أبو عبد الله الذهبي ﵀ خاصة في كتابيه العظيمين: (تاريخ الإِسلام) و(سير أعلام النبلاء)، ثم تبعه على ذلك: تلميذه الإِمام الحافظ إسماعيل ابن كثير ﵀ في تاريخه المشهور: (البداية والنهاية) في القسم الخاصّ بالسيرة، وهو من أطول المصنّفات في السيرة النبوية، وأكثرها فائدة. وكذا الإِمام الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني ﵀ خاصة في كتابه العُجاب: (فتح الباري) وكتابه: (الإصابة).
ومن المعاصرين: الشيخ الإِمام الألباني، خاصة في سلسلتيه النافعتين: الصحيحة، والضعيفة، وكتابه: (إرواء الغليل) وكتابه في الردّ على البوطي ومنهم الدكتور الفاضل: أكرم العمري، خاصة في كتابه: (السيرة النبوية الصحيحة). والشيخ محمَّد رزق بن طرهوني، في كتابه: (السيرة الذهبية).
وقد حرصت عند تضعيف إحدى الروايات أن أُبيّن ما يغني عنها مما صحّ. وأنا راجع عن كل رواية تبيّن ثبوتها، فالحكمة ضالة المؤمن، والحقّ أحقّ أن يُتّبع والتزمت -غالبًا- أن أُصلي على النبي ﷺ عند ذكره، وأنّ أترضّى عن الصحابة ﵃، وأترحّم على أهل العلم ﵏، مستحضرًا المقولة اللطيفة التي قالها أبو محمَّد التميمي ﵀: "ما لكم تأخذون العلم عنّا وتستفيدونه منّا ثم لا تترحمون علينا؟ (٦) ".
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
محمد بن عبد الله العوشن
الرياض في ١/ ٧/ ١٤٢٨ هـ
ص. ب ٢٥٦٦٣
الرياض ١١٤٧٦
mo_aloshan@yahoo.com
_________
(٥) تاريخ الإِسلام (١٤١/ ٥٩١)
(٦) قضاة الأندلس، ص ١٣٣.
1 / 4
تحديد ميلاده (*) الشريف ﷺ -
المشهور عند الجمهور أنه ﷺ وُلد عام الفيل. فقيل: بعده بشهر، وقيل: بأربعين يومًا، وقيل: بخمسين، قال السهيلي (١) وابن كثير (٢): وهو أشهر. وقيل: إنه ولد بعد عام الفيل بعشر سنين، وقيل: ثلاث وعشرين سنة، وقيل: ثلاثين.
قال الذهبي: "وقال أبو أحمد الحاكم: وُلد بعد الفيل بثلاثين يومًا، قاله بعضهم. قال: وقيل بعده بأربعين يومًا. قلت (الذهبي): لا أُبعد أنّ الغلط وقع من هنا على من قال ثلاثين عامًا أو أربعين عامًا، فكأنه أراد أن يقول: يومًا فقال: عامًا" (٣). ومما يؤكد أنه ولد عام الفيل ما رواه ابن إسحاق قال: حدثني المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده قيس بن مخرمه قال: "وُلدتُ أنا ورسول الله ﷺ عام الفيل، فنحن لِدَتان (٤) " قال الذهبي في (تاريخ الإِسلام): إسناده حسن (٥).
وروى ابن سعد عن يّحي بن معين قال: أخبرنا حجاج بن محمَّد قال: أخبرنا يونس بن أبي إسحاق [عن أبيه] (**) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "ولد
_________
(*) قال الإِمام النووي ﵀: ميلاد الرجل اسم للوقت الذي وُلد فيه، المولد اسم للموضع الذي وُلد فيه. (تهذيب الأسماء واللغات ٣/ ١٩٦).
(١) الروض الأُنُف (٢٢/ ١٥٩).
(٢) البداية والنهاية (٢/ ٢٦٢).
(٣) تاريخ الإِسلام (ص ٢٧)
(٤) الروض الأٌنف (٢/ ١٤٣) وأخرجه أيضًا الإِمام أحمد (٢٠/ ١٩٠،الفتح الرباني) وقال المحقق: سنده جيد. والترمذي ٣٦٩٨ (تحفة ١٠/ ٨٨).
(٥) ص ٢٣.
(**) ساقطة من الطبقات.
1 / 5
رسول الله ﷺ يوم الفيل، يعني عام الفيل (٦) " وساقه الذهبي بسنده في: (تاريخ الإِسلام) وقال: صحيح (٧).
وهذا يكاد يكون مجمعًا عليه عند أهل العلم. قال خليفة بن خياط في تاريخه: "والمجمع عليه عام الفيل" (٨). وقال ابن القيم في (الزاد): "لا خلاف أنه ولد بجوف مكة وأن مولده عام الفيل" (٩).
وصحّ عن عائشة ﵂ أنها قالت: "لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعمييْن مقعديْن يستطعمان الناس" (١٠).
أما الشهر فالجمهور أيضًا على أنه في ربيع الأول، وقيل: في رمضان. قال ابن كثير: "نقله ابن عبد البر عن الزبير بن بكار، وهو قول غريب جدًا" (١١).
أما اليوم فقد ثبت في الحديث عن أبي قتادة ﵁ أن رسول الله ﷺ سئل عن صوم يوم الاثنين فقال: "ذلك يوم وُلدت فيه ويوم بُعثت أو أنزل عليّ فيه" (١٢).
أما تاريخ ذلك اليوم، فقال ابن كثير: "قيل لليلتين خلتا منه (ربيع الأول) قاله ابن عبد البر في الاستيعاب، ورواه الواقدي: عن أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن المدني وقيل: لثمان خلون منه حكاه الحميدي عن ابن حزم ورواه مالك وعُقيل ويونس بن يزيد وغيرهم عن الزهري عن محمَّد بن جبير بن مطعم، ونقل ابن عبد البر عن أصحاب التاريخ أنهم صححوه، وقطع به الحافظ
_________
(٦) الطبقات (١/ ١٠١) والحاكم (٤١٨٠).
(٧) ص ٢٢.
(٨) تحقيق أكرم العمري. دار طيبة. ص ٥٣.
(٩) (١/ ٧٦).
(١٠) رواه ابن إسحاق،، قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عمرة ابنة عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة عن عائشة ﵂ (الروض الأنف ١/ ٢٨١) (سيرة ابن إسحاق ﵀ رواية أحمد بن عبد الجبار العطاردي عن يونس بن بكير، تحقيق محمَّد حميد الله. ص ٤٢).
(١١) البداية والنهاية (٢/ ٢٦٠) وقال في (الفصول) ص ٣٤: وهو شاذ.
(١٢) رواه مسلم (٨/ ٥١ نووي).
1 / 6
الكبير محمَّد بن موسى الخوارزمي، ورجحه الحافظ أبو الخطاب بن دحية في كتابه (التنوير في مولد البشير النذير) وقيل: لعشر خلون منه، ورواه ابن عساكر عن أبي جعفر الباقر، ورواه مجالد عن الشعبي. وقيل: لثنتي عشرة خلت منه نصّ عليه ابن إسحاق، ورواه أبي شيبة في مصنفه عن عفان عن سعيد بن مينا عن جابر وابن عباس أنهما قالا: "ولد رسول الله ﷺ عام الفيل يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول وفيه بُعث وفيه عُرج به إلى السماء وفيه هاجر وفيه مات" وهذا هو المشهور عند الجمهور والله أعلم. وقيل: لسبعة عشر خلت منه، كما نقله ابن دحية عن بعض الشيعة. وقيل: لثمان بقين منه نقله ابن دحية من خط الوزير أبي رافع بن الحافظ أبي محمَّد بن حزم عن أبيه، والصحيح عن ابن حزم الأول أنه لثمان مضين منه كما نقله الحُميدي، وهو أثبت (١٣) ".
فهذه ستة أقوال ذكرها ابن كثير ولا يستند أي قول منها لحديث صحيح، وحديث جابر وابن عباس في تحديده بالثاني عشر لو صحّ لكان فيصلًا في النزاع لكنه ضعيف. قال ابن كثير: "فيه انقطاع" (١٤). وبما أنه لم يثبت تحديد تاريخ المولد فلا بأس من الاستئناس بأقوال أهل الفلك، فقد ذهب غير واحد منهم إلى تحديده باليوم التاسع أو ليلة التاسع من ربيع الأول. مثل: الأستاذ محمود باشا الفلكي (ت ١٣٠٢ هـ) (١٥) كما في هامش (الكامل في التاريخ) (١٦) لابن الأثير. والأستاذ محمَّد سليمان المنصور فوري.
_________
(١٣) البداية والنهاية (٢/ ٢٦٠).
(١٤) البداية (٣/ ١٠٩).
(١٥) له ترجمة في (الأعلام) (٧/ ١٦٤) وذكر من آثاره: "نتائج الإفهام في تقويم العرب قبل الإِسلام "وفي تحقيق مولد النبي ﷺ وعمره ﵊" وأشار إلى أنه طبع. (وقد ألفه بالفرنسية ثم ترجمه إلى العربية، وقدم العلامة علي الطنطاوي ﵀ لإحدى طبعاته وأيد المؤلف في تحديد المولد في اليوم التاسع. (مقدمات الطنطاوي، ص ٨٣).
(١٦) ١/ ٢٧٠.
1 / 7
كما نقل ذلك صاحب (الرحيق المختوم) (١٧). قال الفلكي الأستاذ عبد الله بن إبراهيم بن محمَّد السليم في كتابه: (تقويم الأزمان) في تحقيق مولد النبي ﷺ ما نصه "لقد جاء في كتب التاريخ والسيرة أن النبي ﷺ ولد يوم الاثنين لعشر خلون من ربيع الأول وقيل لثمان خلون منه وقيل لثنتي عشرة منه وأخذ بذلك جمهور العلماء. وقد ثبت بما لا يّحتمل الشك من النقل الصحيح أن ولادته ﷺ كانت في٢٠ نيسان إبريل سنة ٥٧١ هـ عام الفيل ... كما ثبت من طريق النقل الصحيح أنه وفاته ﷺ كانت في ١٣ ربيع الأول سنة ١١ من الهجرة وأنه يوافق ٨ حزيران سنة ٦٣٢. وما دامت هذه التواريخ ثابتة ومعروفة فبالإمكان معرفة يوم ولادته ويوم وفاته ﷺ بالدقة، وكذلك مقدار عمره. وبتحويل السنين الرومية إلى أيام فإنها تكون ٢٢٣٣٠ وبتحويل هذه الأيام إلى سنين قمرية كل سنة ١١/ ٢٠ (٣٥٤) فإنه يكون عمره ﷺ ٦٣ سنة وحوالي ٣ أيام ويتفق هذا مع قول الجمهور على أن مبدأ التاريخ الهجري ١٦ تموز حسب الرؤية، وبالحساب ١٥ تموز يتفق مع ١/ ١/١ هـ مع اليوم الأول من شهر محرم أول سنة أُرِّخ فيها التاريخ الهجري وعلى هذا فتكون ولادته ﷺ يوم الاثنين الموافق ٩ ربيع الأول سنة ٥٣ قبل الهجرة، ويوافق ٢٠ نيسان إبريل سنة ٥٧١ هـ نقلًا وحسابًا" (١٨).
قال الشيخ محمَّد بن عثيمين ﵀: "وقد حقق بعض الفلكيين المتأخرين ذلك (أي مولده ﷺ) فكان اليوم التاسع لا في اليوم الثاني عشر" (١٩).
لقد أخبر ﷺ أنه ولد يوم الاثنين - كما سبق - مع أنه لم يُسأل عن ذلك، وإنما سئل عن صوم يوم الاثنين فأخبر أنه ولد في ذلك اليوم، فصار لصوم الاثنين ثلاث خصال: أنه يوم تُعرض فيه الأعمال على الله - وكَذلك يوم
_________
(١٧) ص ٦٢.
(١٨) تقويم الأزمان، ص ١٤٣، الطبعة الأولي، ١٤٠٤ هـ.
(١٩) القول المفيد على كتاب التوحيد (١/ ٤٩١) الطبعة الأولى ١٤١٨ هـ. دار ابن الجوزي، دار العاصمة.
1 / 8
الخميس -، وأنه يوم وُلد فيه الرسول ﷺ ويوم أُنزل عليه فيه. لكنه ﷺ لم يذكر تاريخ مولده، ولم يسأله صحابته ﵃ عن ذلك - وهم أحرص الناس على الخير- لأنه لا يترتب على ذلك شيء، ولو كان هناك من خير في معرفة ميلاده الشريف ﷺ لما كان له أن يكتمه -وحاشاه- عن أمته.
والذين يحتفلون بميلاده في الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام، إنما يحتفلون بيوم وفاته ﷺ فالمشهور أنه مات في الثاني عشر من ربيع الأول عام إحدى عشرة كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر (٢٠)، وغيره.
تذييل: لايخفى على المنصف بدعية الاحتفال بالمولد، ولو سلّمنا بحسن النية لبعض من يفعله، فإنه قد افتقد الشرط الآخر لقبول الأعمال، وهو المتابعة. أما ما يحصل في بعض هذه الموالد من منكرات وفجور، فانظر نموذجًا منه، ذكره المقريزي (٨٤٥ هـ) في: (درر العقود الفريدة) فقال في ترجمة إسماعيل بن يوسف الإنبابي (٢/ ٥٠١): " .. وصار يعمل المولد النبوي كل سنة .. فأذكر أنه عمل المولد على عادته في شهر ربيع الأول من سنة تسع وتسعين وسبعمائة، فهرع الناس لحضور المجتمع، حتى غصّ الفضاء بكثرة العالم، وتنوعوا تلك الليلة في الفسق، لكثرة اختلاط النسوان والمردان بأهل الخلاعة، فتواتر الخبر أنه وُجد في صبيحة تلك الليلة من جرار الخمر التي شُربت بالليل فوق الخمسين، فارغة ملقاة حول الزاوية في المزارع، وافتضت تلك الليلة عدة أبكار، وأُوقدت شموع بمال كبير، فبعث الله يوم الأحد، بكرة صباح ليلة المولد المذكور قاصفًا من الريح كدّرت على من كان هناك، وسفت في وجوههم التراب، واقتلعت الخيام .. "
_________
(٢٠) التلخيص الحبير (٢/ ٢٣٣) وسبق ما ذكره ابن سليم أن وفاته ﷺ كانت في الثالث عشر، والعجيب أن الكوثري رجح أن مولد النبي ﷺ هو في الثامن أو التاسع من ربيع الأول واستبعد رواية الثاني عشر (مقالات الكوثري ٤٧٦ - ٤٧٩، بواسطة موسموعة أهل السنة) لعبد الرحمن دمشقية (١/ ٣٤٧) دار المسلم، الطبعة الأولي ١٤١٨ هـ.
1 / 9
جلوسة ﷺ وهو صغير على فراس جدّه
روى ابن إسحاق قال: حدثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله قال: "كان يوضع لعبد المطلب جّد رسول الله ﷺ فراش في ظل الكعبة، فكان لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالًا له، وكان رسول الله ﷺ يأتي ويجلس عليه، فيذهب أعمامه يؤخرونه، فيقول جده عبد المطلب: دعوا ابني فيمسح على ظهره ويقول: إن لبنيّ هذا لشأنًا (١) ".
والعباس بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب ثقة من السادسة كما في (التقريب) وهو يروي الخبر عن بعض أهله ولا يمكن أن يكون هؤلاء -فضلًا عن جهالتهم- من الصحابة، فالسند فيه انقطاع. ومن طريق ابن إسحاق ذكرها البيهقي في (الدلائل) (٢).
ورواه ابن سعد في (الطبقات) (٣) بنحوه عن شيخه الواقدي، وهو متروك. وقال الذهبي في السيرة من (تاريخ الإِسلام) (٤): "وقال عبد الله بن شبيب وهو ضعيف ثنا أحمد بن محمَّد الأزرقي سمعت ابن عباس يقول: سمعت أبى يقول .. وذكر القصة". وابن شبيب قال عنه الذهبي: إخباري علامة لكنه واه (٥).
وذكرها ابن كثير (٦) عن ابن إسحاق، وسكت عنها.
_________
(١) السيرة، رواية يونس بن بكر، تحقيق محمَّد حميد الله، ص ٤٢.
(٢) ٢/ ٢١.
(٣) ١/ ١١٧.
(٤) ص ٥٣.
(٥) لسان الميزان (٣/ ٢٩٩) وكذا في السيرة (٦٤).
(٦) البداية والنهاية (٢/ ٢٨١).
1 / 10
الاستسقاء به ﷺ وهو غلام
روى ابن سعد في (الطبقات) (١) قال: أخبرنا هشام بن محمَّد بن السائب الكلبي قال: حدثني الوليد بن عبد الله بن جميع الزهري عن ابنٍ لعبد الرحمن بن موهب بن رباح الأشعري حليف بني زهرة عن أبيه قال: حدثني مخرمه بن نوفل الزهري قال: سمعتُ أمي رُقيقة بنت أبى صيفي بن هاشم بن عبد مناف تُحدّث وكانت لِدَة عبد المطلب قالت: تتابعت على قريش سنون ذهبن بالأموال وأشفين على الأنفس، قالت: فسمعت قائلًا يقول في المنام: يا معشر قريش، إن هذا النبي المبعوث منكم، وهذا إبان خروجه وبه يأتيكم الحيا والخصب فانظروا رجلًا من أوسطكم نسبًا طوالًا عظامًا أبيض مقرون الحاجبين أهدب الأشفار جعدًا سهل الخدّين رقيق العرنين، فليخرج هو وجميع ولده، وليخرج منكم من كل بطن رجل، فتطهروا وتطيبوا ثم استلموا الركن، ثم ارقوا رأس أبي قبيس، ثم يتقدم هذا الرجل فيستقي وتؤمنون فإنكم ستسقون. فأصبحتْ فقصّتْ رؤياها عليهم، فنظروا فوجدوا هذه الصفة صفة عبد المطلب، فاجتمعوا إليه، وخرج من كل بطن منهم رجل، ففعلوا ما أمرتهم به، ثم عَلَوْا على أبي قبيس ومعهم النبي ﷺ، وهو غلام، فتقدم عبد المطلب وقال: لا هُمّ هؤلاء عبيدك وبنو عبيدك وإماؤك وبنات إمائك، وقد نزل بنا ما ترى، وتتابعت علينا هذه السنون فذهبت بالظلف والخف، وأشفت على الأنفس، فأذهبْ عنا الجدب وأتنا بالحيا والخصب، فما برحوا حتى سالت الأودية، وبرسول الله ﷺ سُقوا، فقالت رقيقة بنت أبي صيفي بن هشام بن عبد مناف:
بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا ... وقد فقدنا الحيا وأجلوّذ (٢) المطر
فجاد بالماء جَوْنيّ له سبل ... دان فعاشت به الأنعام والشجر
مبارك الأمر يُستسقى الغمام به ... وخير من بُشّرت يومًا به مضر
_________
(١) ١/ ٨٩.
(٢) قال ابن منظور: أجلوذ المطر أي امتد وقت تأخره وانقطاعه (اللسان مادة جلذ)
1 / 11
منًّا منَّ الله بالميمون طائر ... ما في الأنام له عدل ولا خطر ا. هـ
وهشام الكلبي متروك. ورواه البيهقي في (الدلائل): (٣) من طريقين في الأول
منهما عبد الغزيز بن عمران وهو متروك أيضًا، والآخر عن زحر بن حصن عن
جده حميد بن منهب، وهما مجهولان كما قال الذهبي (٤). والحديث ذكره
الهيثمي، وقال: رواه الطبرني في الكبير وفيه زحر بن حصن قال الذهبي لا
يُعرف (٥). ورقيقه ترجم لها الحافظ في (الإصابة) (٦) فقال: ذكرها الطبراني
والمستغفري في الصحابة، وقال أبو عمر: وما أُراها أدركت. وعمدة من
ذكرها ما أخرجوه من طريق حميد بن منهب عن عروة بن نصر (*) عن مخرمة
بن نوفل عن أمه رقيقة .. قال أبو موسى (٧) -بعد إيراده-: هذا حديث حسن. وما
نسبه إلى أبي عمر ابن عبد البر من قوله: وما أُراها أدركت، فليس في المطبوع
من (الاستيعاب) (٨) هذه العبارة.
وأورد الذهبي في: السيرة من (تاريخ الإِسلام) (٩) استسقاء أبي طالب به فقال:
"وقال إبراهيم بن محمَّد الشافعي، عن أبيه عن أبان بن الوليد عن أبان بن
ثعلب حدثني جلهمة بن عرفطة قال: "إني لباقاع من نمرة إذ أقبلت عير من
_________
(٣) ٢/ ١٥ - ١٧.
(٤) المغني في الضعفاء (١/ ٣٦٤) وقال الحاكم في (٣/ ٣٦٩): ثنا زكريا بن يحيى الخراز، ثنا عم أبي زحر بن حصين، عن جده حميد بن منهب وساق حديثا ثم قال: هذا حديث تفرد به رواته الأعراب عن آبائهم، وأمثالهم من الرواة لا يضعون (هكذا، ولعلها: لا يُعرفون) وكذا قال الذهبي في التلخيص.
(٥) مجمع الزوائد (٢/ ٢١٥).
(٦) ٤/ ٢٩٦.
(*) كذا بالأصل والصواب: عروة بن مضرّس، الصحابي ﵁ قال في الإصابة: "قال الأزدي: روى عنه حميد بن منهب، ولا يقوم" (٢/ ٤٧١).
(٧) أبو موسى المديني.
(٨) ٤/ ٣٠٤.
(٩) ص ٥٢، ٥٣.
1 / 12
أعلى نجد، فلما حاذت الكعبة إذا غلام قد رمى بنفسه عن عجز بعير .. " إلى أن قال جلهمة: "فهويت رحلي نحو تهامة ... حتى انتهيت إلى المسجد الحرام، وإذا قريش عزين، قد ارتفعت لهم ضوضاء يستسقون، فقائل منهم يقول: اعتمدوا اللات والعزى، وقائل يقول: اعتمدوا مناة الثالثة الأخرى. وقال شيخ وسيم قسيم حسن الوجه جيد الرأي: أنى تؤفكون وفيكم باقية إبراهيم ﵇ وسلالة إسماعيل؟ قالوا له: كأنك عنيت أبا طالب؟ قال: إيهًا. فقاموا بأجمعهم وقمت معهم فدققنا عليه بابه .. . فقالوا: يا أبا طالب قحط الوادي وأجدب العباد فهلم فاستسق، فقال: رويدكم زوال الشمس وهبوب الريح، فلما زاغت الشمس أو كادت، خرج أبو طالب معه غلام كأنه دجن تجلت عنه سحابة قتماء، وحوله أُغيلمة، فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ بأضبعه الغلام، وبَصْبصتْ الأغيلمة حوله، وما في السماء قزعة، فأقبل السحاب من ها هنا وها هنا واغدودق وانفجر له الوادي، وأخصب النادي والبادي، وفي ذلك يقول أبو طالب:
وميزان عدل لا يخيس شعيرة ... ربيع (١٠) اليتامي عصمة للأرامل
تطيف به الهلاّك من آل هاشم ... فهم عنده في نعمه وفواضل
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ووزان صدق وزنه غيرعائل (١١)
وأبان بن الوليد إن كان المعيطي فهو مجهول كما في: (اللسان) (١٢) وإلّا فلم
أعرفه، وجلهمة لم أجد له ترجمة حسب بحثي.
_________
(١٠) الذي في صحيح البخاري: "ثمال" (الفتح ٤/ ٤٩٤) وكذلك في سيرة ابن إسحاق (الروض
٣/ ٦٥) والبداية والنهاية (٣/ ٥٥). والثمال: الملجأ والغياث والمطعم في الشدة (لسان العرب. مادة ثمل).
(١١) البيت في السيرة والبداية:
بميزان قسط لا يخس شعيرة ... له شاهد من نفس غير عائل
(١٢) ١/ ٢٦.
1 / 13
وقول أبي طالب: وأبيض يستسقى الغمام ..
ضمن قصيدة طويلة له تزيد على الثمانين بيتًا قالها بعد بعثة الرسول ﷺ.
قال ابن إسحاق: "فلما خشي أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع قومه، قال قصيدته التي تعوذ فيها بحرم مكة وبمكانه منها، وتودد في أشراف قومه، وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في ذلك من شعره أنه غير مُسْلم رسول الله ﷺ ولا تاركه لشيء أبدًا حتى يهلك دونه، فقال: ... وذكر القصيدة. قال ابن هشام: هذا ما صحّ لي من هذه القصيدة، وبعض أهل العلم بالشعر ينكر أكثرها" (١٣).
قال ابن كثير بعد أن أورد القصيدة: "هذه قصيدة عظيمة بليغة جدًا لا يستطيع يقولها إلا من نسبت إليه وهي أفحل من المعلقات السبع، وأبلغ في تأدية المعنى فيها جميعًا" (١٤).
قال الإِمام البخاري ﵀ في كتابة الاستسقاء من صحيحه: "باب سؤال الناس الإِمام الاستسقاء إذا قحطوا": حدثنا عمرو بن علي .. قال: (ابن دينار) سمعت ابن عمر يتمثل بشعر أبي طالب:
وأبيض يُستسقى الُغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل
وقال عمر بن حمزة: حدثنا سالم عن أبيه "ربما ذكرت قول المشاعر وأنا أنظر إلى وجه النبي ﷺ يستسقي فما ينزل حتى يّجيش كل ميزاب":
وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل
وهو قول أبى طالب. قال الحافظ ابن حجر ﵀ بعد ذكره مناسبة الأحاديث لترجمة الباب: وأوضح من ذلك ما أخرجه البيهقي في (الدلائل) (١٥) من رواية
_________
(١٣) الروض الأنف (٣/ ٦٣).
(١٤) البداية والنهاية (٣/ ٥٧).
(١٥) ٦/ ١٤١ وفي سنده غير مسلم الملائي أحمد بن راشد (في الدلائل: رشيد) بن خثيم اتهمه الذهبي في الميزان باختلاق حديث في ذكر بني العباس (١/ ٢٣٣) لكنه ليس هذا الحديث.
1 / 14
مسلم الملائي (١٦) عن أنس قال: "جاء رجل أعرابي إلى النبي ﷺ فقال يا رسول الله، أتيناك وما لنا بعير يئط ولا صبي يغط. ثم أنشده شعرًا يقول فيه:
وليس لنا إلا إليك فرارنا ... وأين فرار الناس إلا الرسل
فقام يجر رداءه حتى صعد المنبر فقال: "اللهم أسقنا" الحديث، وفيه: "ثم قال ﷺ: لو كان أبو طالب حيًّا لقرّت عيناه، من ينشدنا قوله؟ " فقام عليَّ فقال: يا رسول الله، كأنك أردت قوله: "وأبيض يستسقى الغمام بوجهه" الأبيات .. وإسناد حديث أنس وإن كان فيه ضعف لكنه يصلح للمتابعة" (١٧).
_________
(١٦) ضعيف، من الخامسة (تقريب).
(١٧) فتح الباري (٢/ ٤٩٤ - ٤٩٥).
1 / 15
اشتراكه ﷺ في حرب الفِجَار
قال ابن إسحاق: "هاجت حرب الفجار ورسول الله ﷺ ابن عشرين سنة" قال ابن هشام: فلما بلغ رسول الله ﷺ أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة هاجت حرب الفجار بين قريش ومن معها من كنانة، وبين قيس عيلان ... وشهد رسول الله ﷺ بعض أيامهم، أخرجه أعمامه معهم، وقال رسول الله ﷺ: "كنت أُنَبِّل على أعمامي. أي أرد عنهم نبل عدوهم إذا رموهم بها (١) ".
وابن إسحاق ذكر القصة بدون إسناد. وذكرها الذهبي عنه كما في السيرة من (تاريخ الإِسلام) (٢) وابن كثير كما في (البداية والنهاية) (٣).
ورواه ابن سعد عن الواقدي وفيه: "قال رسول الله ﷺ -وذكر الفجار- فقال: قد حضرته مع عمومتي ورميت فيه بأسهم، وما أحبُّ أني لم أكن فعلت (٤) " والواقدي متروك.
وسكت عنها الشيخ الألباني-﵀ في تعليقه على (فقه السيرة (٥» للغزالي-﵀ لكنه لم يدرجها في (صحيح السيرة النبوية). ولم يذكرها الشيخ محمَّد بن رزق الطرهوني -حفظه الله تعالى- في (صحيح السيرة (٦» فدلّ على عدم صحتها عندهما. وقال الدكتور أكرم العمري -حفظه الله تعالى-: ولم يثبت أن رسول الله ﷺ شهدها (٧).
_________
(١) الروض الأنف (٢/ ٢٢٩ - ٢٣٠).
(٢) ص ٦١.
(٣) ٢/ ٢٨٩.
(٤) الطبقات (٤/ ١٢٨).
(٥) ص ٧١ الطبعة الثالثة ١٤٠٧ هـ.
(٦) السيرة النبوية الصحيحة (١/ ١١١).
(٧) الطبعة الأولى ١٤١٠ هـ.
1 / 16
مما سبق يتبين أنه لم يثبت اشتراكه ﷺ في حرب الفجار. فلعّل الله تعالى عصمه من المشاركة في هذه الحرب التي وقعت في الأشهر الحرم والله أعلم.
فائدة: قال السُّهيلي: "الفِجَار بكسر الفاء بمعني المفاجرة، كالقتال
والمقاتلة، وذلك أنه كان قتالًا في الشهر الحرام ففجروا فيه جميعًا فسمي
الفجار. وكانت للعرب فجارات أربع آخرها فجار البرّاض المذكور في
السيرة (٨) ".
_________
(٨) الروض الأنف (٢/ ٢٣٣).
1 / 17
عمر خديجة ﵂ عند زواجه ﷺ بها
المشهور في كتب السيرة أن عمرها ﵂ لما تزوجها رسول الله ﷺ كان أربعين سنة، وأنها لما توفيت كانت بنت خمس وستين.
روى ذلك ابن سعد في (الطبقات) عن الواقدي وفيه: "وتزوجها رسول الله ﷺ وهو ابن خمس وعشرين سنة، وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة" (١) والواقدي متروك. بل قد رُوي خلاف ذلك، فقد روى الحاكم بسنده عن ابن إسحاق: "وكان لها يوم تزوجها ثمان وعشرون سنة (٢) " لكن ابن إسحاق لم يسند الخبر ثم ساق الحاكم بسنده عن هشام بن عروة قال: "توفيت خديجة بنت خويلد ﵂ وهي ابنة خمس وستين سنة". قال الحاكم: "هذا قول شاذ، فإن الذي عندي أنها لم تبلغ ستين سنة (٣) ".
وقال البيهقي في (الدلائل): "قال أبو عبد الله (الحاكم) قرأت بخط أبي بكر بن أبي خيثمة، قال: حدثنا مصعب بن عبد الله الزبيري قال: .. ثم بلغت خديجة خمسًا وستين سنة، ويقال خمسين سنة. وهو أصح (٤) ".
قال ابن كثير: " .. وهكذا نقل البيهقي عن الحاكم أنه كان عمر رسول الله ﷺ حين تزوج خديجة خمسًا وعشرين سنة، وكان عمرها إذ ذاك خمسًا وثلاثين، وقيل خمسًا وعشرين سنة (٥) ".
_________
(١) ١/ ١٣٢.
(٢) ٣/ ٢٠٠.
(٣) ٣/ ٢٠٠.
(٤) ٢/ ٧٠.
(٥) البداية والنهاية (٢/ ٢٩٥) ولم أرَ مانسبه للبيهقي في (الدلائل) في: باب ما جاء في تزويج رسول الله ﷺ بخديجة ﵂ (٢/ ٦٨).
1 / 18
وقال ﵀ عند الحديث عن زوجاته ﷺ: " .. وعن حكيم بن حزام قال: كان عمرها أربعين سنة. وعن ابن عباس: كان عمرها ثمانيًا وعشرين سنة. رواهما ابن عساكر (٦) ".
قال الدكتور أكرم العمري: "وقد أنجبت خديجة ﵁ من رسول الله ﷺ ذَكريْن وأربع إناث مما يرجِّح رواية ابن إسحاق (أي أنها في الثامنة والعشرين)، فالغالب أن المرأة تبلغ سنّ اليأس من الإنجاب قبل الخمسين". (٧)
فائدة: قال الزبير بن بكار (ت ٢٥٦ هـ): "هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة حملت بموسى بن عبد الله بن حسن بن حسن بعد ستين سنة، وسمعت علماءنا يقولون: لا تحمل امرأة بعد ستين سنة إلا من قريش، ولا بعد خمسين إلا عربية" (٨).
_________
(٦) البداية والنهاية (٥/ ٢٩٣).
(٧) السيرة النبوية الصحيحة (١/ ١١٣).
(٨) تاريخ بغداد (١٣/ ٢٨).
1 / 19
انتظاره ﷺ لرجل ثلاثة أيام
ومما اشتهر في السيرة ما رواه أبو داود عن عبد الله بن أبي الحمساء ﵁ قال: "بايعت (*) النبي ﷺ ببيع قبل أن يبعث وبقيتْ له بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه، فنسيت ثم ذكرت بعد ثلاث، فجئت فإذا هو في مكانه، فقال: يا فتى لقد شققت علي، أنا ههنا منذ ثلاث أنتظرك". وقد رواه أبو داود من طريق إبراهيم بن طهمان عن بُديل عن عبد الكريم عن [بن] عبد الله بن شقيق عن أبيه عن عبد الله بن الحمساء. والخلاف هل هو عبد الكريم عن عبد الله أو عبد الكريم بن عبد الله؟ قال أبو داود: قال محمَّد بن يحي (الذهلي شيخ أبي داود في هذا الحديث) هذا عندنا عبد الكريم بن عبد الله بن شقيق. قال أبو داود: هكذا بلغني عن علي بن عبد الله (١). أهـ
قال الحافظ في (التقريب): عبد الكريم بن عبد الله بن شقيق العقيلي البصري: مجهول (٢).
وقال في ترجمة ابن أبي الحمساء في (التهذيب): "له حديث واحد مختلف في إسناده، رواه أبو داود" (٣).
وذكر الإِمام الذهبي ﵀ القصة في السيرة من (تاريخ الإِسلام) وعزاها لأبي داود (٤).
وقال العراقي في (تخريج الإحياء): رواه أبو داود واختلف في إسناده، وقال ابن مهدي: ما أظن إبراهيم بن طهمان إلا أخطأ (٥). أهـ.
_________
(*) أي بعت منه بمعنى اشتريت (عون المعبود ١٣/ ٣٤٠).
(١) كتاب الأدب باب في العِدَة. (عون المعبود ١٣/ ٣٣٩).
(٢) ١/ ٥١٥.
(٣) ٥/ ١٩٢.
(٤) ص ٨٢.
(٥) تخريج أحاديث إحياء علوم الدين. دار العاصمة الطبعة الأولى ١٤٠٨ هـ (٤/ ١٦٩٢).
1 / 20
إعالته ﷺ لعلي ﵁
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد بن جبر قال: "كان من نعمة الله على علي بن أبي طالب، ومما صنع الله له، وأراده به من الخير أن قريشًا أصابتها أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة، فقال رسول الله ﷺ للعباس عمه - وكان من أيسر بني هاشم -: يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة، انطلق بنا إليه فلنخفف عنه من عياله .. " وفيه: "أن رسول الله ﷺ أخذ عليًا فضمه إليه، وأخذ العباس جعفرًا فضمه إليه (١) .. ".
ورواه الحاكم من طريق ابن إسحاق، وسكت عنه، وحذفه الذهبي من التلخيص (٢).
وفي الإسناد علتان الإرسال، وعنعنة ابن أبي نجيح فهو مدلِّس.
ويبعد أن يكون سيد قريش وكبيرها -في حينه- أبو طالب عاجزًا عن إعالة أبنائه، وهم أربعة فقط: علي وجعفر وعقيل وطالب. ولا نعلم عن البنات. وإذا كان علي وجعفر صغيرين، فإن الآخران قادران على التكسب، فقد ذكر المؤرخون أن جعفرًا كان أكبر من علي بعشر سنين، وعقيل أكبر من جعفر بعشر سنين، وطالب أكبر من عقيل بعشر سنين (٣).
والقول بأن عليًا ﵁ بادر إلى الإِسلام لكونه كان في حجر النبي ﷺ، لا يلزم منه تصحيح هذه القصة، كما أن جعفرًا ﵁ كان من السابقين، ومن المهاجرين إلى الحبشة، ولم يتوقف إسلامه على إسلام العباس ﵁ الذي تأخر إلى ما بعد الهجرة بسنوات.
_________
(١) الروض الأنف (٣/ ٧).
(٢) المستدرك (٣/ ٦٦٦) رقم (٦٤٦٣).
(٣) انظر الاستيعاب (بهامش الإصابة) (٣/ ٢٧).
1 / 21