ولقد رجع رفيق صدقي بك يعالج الثورة الدينية في تركيا فعمد إلى «فخته» الفيلسوف الألماني ينقل عنه هذه الفقرات:
إن الدين لا يطلب من الناس إلا أن يكونوا عدولا خيرين، على أن كثيرا من الناس قد أساءوا استعمال الدين فوجهوه إلى منافعهم وشوهوه تشويها، فعمدوا إلى التفكير في جنة الفردوس وحدها، من غير أن يعيروا هذه الحياة التفاتا، وأهملوا التفكير في أمر الحكومة والوطن والأمة كأنها أشياء لا تستحق الاهتمام أو التفكير، فهل كان الله قد قدر أن يهبط الإنسان إلى هذه الأرض؛ ليفكر في جنة الفردوس وحدها؟ كلا؛ فإن الناس عليهم واجبات إيجابية في هذه الحياة. ولم يكن الدين إلا سلوة يتسلى بها العبيد والمستعبدون، ولا تنسى بجانب هذا أن المستبد الفاجر يحاول دائما أن يبشر الناس بفكرة الخضوع والتسليم للدين، ويزين لهم الاستمتاع بما ينتظرهم من نعيم في جنة الفردوس. والواجب علينا أن نحذر أمثال هذه التصورات الملونة بلون الدين، إنه لا يجب أن نخلق من هذه الحياة جهنما مستعرة الأوار لنفوز من طريقها بالفردوس المفقود. الواجب أن نبحث عن الفردوس فوق هذه الأرض.
ثم يضيف المؤلف إلى هذا قوله:
من هذه الكلمات تتمثل روح ثورتنا الدينية ومثلها الأعلى. إننا لن نعمد بعد هذا إلى الدين ليكون وسيلة لتصريف حالات هذه الحياة الدنيا (ص21 ملحق).
ثم يعمد إلى الإفصاح عن حقيقة الثورة التركية ومراميها فيقول:
إن غرضنا ينحصر في أن نصل إلى ما وصلت إليه الأمم المتمدينة الأخرى في ميدان الحياة السياسية والمدنية والاقتصادية، وأن نشغل بين هذه الأمم مقاما خليقا بنا. لقد ضيعنا كثيرا من الوقت في الماضي. إن الوقت ثمين، ولا يجب أن نضيع شيئا منه بعد ذلك. إن الغرض الذي ترمي إليه الثورة التركية هو أن نصل إلى مقام الأمم الأخرى في الحضارة والمدنية. ولكي نرتقي مدنيا واجتماعيا قمنا بالثورة، وهذا الغرض إحدى أسسها الأولى (ص233). •••
وهنا يجب علينا أن نختم القول في وثبة الشرق بكلمات حكيمة فاه بها وزير الحقانية التركية عندما أراد أن يعرض على المجلس الوطني التركي القانون المدني الحديث الذي استبدل به القانون القديم في فبراير سنة 1926، إذ قال:
إن القوانين القائمة على أساس الدين إنما تعود بالجماعات إلى الحالات البدائية الأولى، فتصبح بذلك أكبر عائق دون الارتقاء. ولا خفاء في أن قوانيننا القديمة التي استمدت من أحكام الدين الثابتة غير المتغايرة، كانت أكبر عامل في تقييد تركيا بقيود القرون الوسطى. وفي اليوم الذي يكسب فيه هذا القانون الجديد قوة التشريع، تخلص تركيا من المعتقدات الخاطئة المضلة، والتقاليد الفاسدة التي استطاعت أن تقيد الأمة بقيود من حديد ثلاثة عشر قرنا من الزمان . إن هذا سوف يسد باب الحضارات القديمة، ويفتح لنا الباب الآخر واسعا لنلجه إلى حيث الحضارة الحديثة، حضارة الحياة والارتقاء.
Shafi da ba'a sani ba