Tsakiyar Kararrawa Hadari
وسط أجراس الخطر
Nau'ikan
ضحكت الآنسة كيتي من أعماق قلبها دون ذرة شعور بالحرج. «تقصد الأكثر استمالة لكراهيتي. لا أعرف بالتأكيد. مارجريت، أيهما أبغض؟»
نظرت مارجريت نظرة تأنيب إلى جارتها حين سألتها بغتة هكذا، لكنها لم تقل شيئا.
فضحكت كيتي مرة أخرى واتجهت فجأة نحو صديقتها بخطوات وثابة وطبعت قبلة صغيرة، كنقرة طائر، على كل وجنة من وجنتيها، وصاحت قائلة: «حسنا، يجب أن أغادر، وإلا ستضطر أمي إلى تقييد البروفيسور لإبقائه»؛ ومن ثم انطلقت بسرعة وخفة كأنها غزال صغير.
علق ييتس حين خفت صوت رفرفة تموجات شعرها وفستانها المنسوج من القطن، قائلا: «فتاة غريبة.»
فصاحت مارجريت بتشديد قاطع: «إنها فتاة طيبة.»
قال ييتس متسائلا: «لم أقل شيئا عكس ذلك. ولكن ألا ترين أنها صريحة بعض الشيء في آرائها عن الآخرين؟». «لم تكن تعرف أنك تسمعها حين همت الحديث في البداية، وبعد ذلك أصرت على موقفها بجرأة وتحد. هذه عادتها. لكنها فتاة لطيفة وطيبة القلب، وإلا لما تحملت عناء المجيء إلى هنا لمجرد أن صديقك شخص فظ.»
قال ييتس، مسارعا إلى الدفاع عن صديقه كما سارعت الفتاة إلى الدفاع عن صديقتها: «أوه، ريني قد يتسم بأي شيء إلا الفظاظة. فكما كنت أقول منذ لحظة، إنه يستميت من أجل الالتزام الشديد بالواجب، وإذا كان يظن أنني أنتظره في المخيم، فلا شيء سيبقيه. أما الآن، فسيحظى بغداء طيب في سلام عندما يعرف أنني لا أنتظره، وهذا الغداء أطيب مما سيتناوله حين أتولى مهمة الطهي.»
وبحلول هذا الوقت، كانت الإشارة الصامتة على صارية العلم قد أدت مهمتها، ووصل والد مارجريت وشقيقها قادمين من الحقل. وضعا قبعتيهما العريضتين المصنوعتين من القش على سقف شرفة المطبخ، ثم أخذا الماء في وعاء قصديري من برميل تخزين مياه الأمطار، ووضعاه على دكة في الخارج، وشرعا في الاغتسال بنشاط وحيوية.
كان السيد هوارد أكثر اهتماما بضيفه من ابنته حسبما بدا. كان ييتس يتحدث بطلاقة وعفوية، كما كان يفعل دائما حين يحظى بجمهور متعاطف من المستمعين، وأظهر معرفة عفوية دون أي كلفة بكبار الشخصيات في العالم، أبهرت رجلا كان قد قرأ الكثير عنهم، لكنه كان محروما بعض الشيء من التعامل المباشر مع هذه الأوساط الصاخبة. كان ييتس يعرف الكثير من الجنرالات المشاركين في الحرب الأخيرة، وكل الساسة. لم يكن بين رجال السياسة رجل نزيه، حسبما ذكر الصحفي، في حين أن قلة قليلة فقط من الجنرالات هم من لم يرتكبوا أفدح الأخطاء. كان يعتبر العالم كنزا هائلا من الأناس العاديين، فيه العباقرة الحقيقيون مدفونون بعيدا عن الأنظار، إن كان لهم وجود أصلا، وهو ما بدا محل شك بالنسبة إليه، وفيه أولئك المتربعون على القمة قد وصلوا إليها إما بحياكة المؤامرات أو لأن الظروف هي التي دفعتهم إلى هناك. كانت آراؤه في بعض الأحيان تثير نظرة تألم على وجه الرجل العجوز، الذي كان متحمسا بأسلوبه الهادئ، وكان لديه أشخاص يراهم أبطالا. كان هذا الرجل ليصبح جمهوريا متعصبا لو كان يعيش في الولايات المتحدة، وكان قد تابع حرب السنوات الأربع الأمريكية الأهلية من خلال الصحف باهتمام بالغ وانهماك شديد. كان يرى أن ولايات الشمال كانت تحارب من أجل مبدأ الحرية الإنسانية العظيم الخالد، وانتصرت بجدارة. غير أن ييتس لم يكن لديه مثل هذه الأوهام. فقد قال إنها كانت حربا بين الساسة. فلم يكن للمبادئ مكان فيها ولا صلة. كانت ولايات الشمال على أتم الاستعداد لترك العبودية قائمة لو لم يفرض عليها هذا الموقف اضطرارا بسبب القصف المدفعي الذي شن على حصن سمتر. كما أن أسلوب إدارة الحرب لم يلق استحسان السيد ييتس على الإطلاق.
قال: «أوه، نعم، أظن أن جرانت سيدخل التاريخ كأحد الجنرالات العظماء. الحقيقة أنه ببساطة كان يعرف كيفية الطرح. هذا كل ما في الأمر. لقد كان يحظى بتلك الميزة الإضافية المتمثلة في الافتقار التام إلى الخيال. كان لدينا العديد من الجنرالات أعظم من جرانت، لكن التخيلات كانت تؤرق بالهم. فالتخيل من شأنه أن يدمر أفضل جنرال في العالم. أصغ إلي، لنأخذك مثالا. إذا افترضنا أنك قتلت رجلا بلا تعمد، سيؤرقك ضميرك طوال ما تبقى من حياتك. فكر إذن في الشعور الذي سينتابك إذا تسببت في وفاة عشرة آلاف رجل دفعة واحدة. سيحطمك ذلك تماما. قد يسفر الخطأ الذي يرتكبه إنسان عادي عن خسارة بضعة دولارات، وهي خسارة يمكن تعويضها، أما إذا أخطأ الجنرال، فلا يمكن تعويض الخسارة أبدا؛ لأن أخطاءه تقدر بأرواح الرجال. يقول «اذهبوا» حين كان ينبغي أن يقول «تعالوا.» يقول «اهجموا» حين كان ينبغي أن يقول «تراجعوا.» ما النتيجة حينئذ؟ خمسة أو عشرة أو خمسة عشر ألف رجل طرحوا قتلى في ميدان المعركة، والكثير منهم أفضل منه. لم ينتب جرانت أي شيء من هذا الشعور. لقد كان يعرف ببساطة كيف يطرح، كما قلت من قبل. الأمر هكذا: لديك خمسون ألف رجل ولدي خمسة وعشرون ألفا. حين أقتل خمسة وعشرين ألفا من رجالك وتقتل خمسة وعشرين ألفا من رجالي، يتبقى لديك خمسة وعشرون ألفا ولا يتبقى لدي أحد. حينئذ تصبح المنتصر، وتهلل لك جحافل الجماهير الحمقاء، لكن هذا لا يجعلك الجنرال الأعظم إطلاقا. لو كان لي لديه عدد مقاتلي جرانت، وكان جرانت لديه عدد مقاتلي لي، لانقلبت النتيجة. لقد عقد جرانت العزم على إجراء عملية الطرح البسيطة هذه، وأجراها؛ بل ربما أجراها بسرعة كما كان أي رجل آخر ليجريها، وكان يعلم أنه حين يفرغ منها، ستتوقف الحرب حتما. هذا كل ما في الأمر.»
Shafi da ba'a sani ba