المأهولة، وبقوة السلاح بسط مختلف الملوك سلطتهم على خلاف شريعة محمد وعلى الرغم من الخلفاء الراشدين. وهذا ما حصل في المشرق حيث جاء الأتراك والأكراد والتتر والغز من الشرق ونصبوا منهم ملوكا. وهذا ما حدث في الغرب حيث أسست قبائل زناته مملكة، ثم جاءت قبائل لمتونه، ثم الموحدون وأخيرا بنو مرين فملكوا بالتعاقب. ومن الصحيح القول مع هذا بأن لمتونة قدمت لنجدة شعوب المغرب لانتشالها من أيدي المارقين عن الإسلام (232)، وبهذا المعنى يمكن اعتبار الملوك أصدقاء للأمة، ولكنهم راحوا يمارسون سلطة يشوبها الطغيان كما رأينا.
ويفسر كل هذا في أيامنا كيف أن الملوك لا يعينون بموجب توارث حقيقي، ولا من قبل كبار الشخصيات، ولا من قبل قائد الجيش، ولا عن طريق انتخاب الأمة، ولكن يقسر كل أمير، قبل وفاته، الكبار وأكثر شخصيات بلاطه نفوذا، على أداء القسم والاعتراف بابنه أو بأخيه خلفا له. وفي كثير من الأحيان لا يبر هؤلاء بقسمهم، إذ يحدث دائما تقريبا، أن يعين هؤلاء الأشخاص ملكا يعجبهم أكثر من سواه. وجرت العادة أن يتم تعيين ملك فاس حسب هذه الطريقة. وما أن يتم الاعتراف به ملكا حتى يسمى مستشاره الكبير من بين أكثر الشخصيات شرفا في حاشيته، ويخصص له ثلث واردات مملكته. ويختار بعدئذ أمين سر لا يقتصر عمله على أمانة السر بل يكون خازن أمواله ومشرفا على شئون الجيش. ويعين بعد ذلك قادة الخيالة المكلفين بحماية مملكته، ويقيم هؤلاء في الغالب، في البوادي مع فرسانهم. ثم يقيم على كل مدينة حاكما يتمتع بدخل عوائدها مع التزامه بنفقات عدد معين من الفرسان على حسابه وتحت أوامر الملك، ويكونون جاهزين للتعبئة في كل مرة يحتاج فيها الملك لحشد الجيوش. ثم يسمي بعدئذ القواد والوكلاء على القبائل التي تسكن الجبال وعلى العرب الخاضعين له. ويقوم القواد بتحقيق العدالة استنادا للتشريعات المختلفة لهذه القبائل. أما مهمة الوكلاء فهي جباية الضرائب وعليهم مسك كشوف حسابات دقيقة عن المدفوعات العادية وعن المدفوعات الاستثنائية. ثم يسمي الملك وجهاء يسمون كستود في لغة أهل البلاد (233). ولكل واحد
Shafi 286