============================================================
وبعد: فالعجب كل العجب لكل مفتون تمرغ في تخاليط الشبهات والسحت، وتكالب على أوساخ الناس، وتخمض في المكاسب، من حيث ما ظفربها تناولها!] نعم، وتتقلب في الشبهات والزينة والمباهاة، وتتقلب في فتن الدنيا، ثم تتح بعبد الرحمن بن عوف، وتزعم : آنك جمعت المال فقد جمعته الصحابة، كانك أشبهت السلف وفعلهم !!
ويحك !! إن هذا من قياس ابليس، ومن فتياه لأوليائه، وسأصف لك أحوالك وأحوال السلف، فتعرف فضائحك، وفضل الصحابة بأموال أرادوها للتعفف والبذل في سبيل الله، فكسبوا حلالا، وأكلوا طيبا. وأنفقوا قصدا، وقدموا فضلا، ولم يمنعوا منها حقا، ولم يبخلوا بها، لكنهم جادوا والله باكثرها، وجاد بعضهم بجميعها، وفي الشدة آثروا على أنفسهم كثيرا، فبالله اكذلك أنت ؟ والله إنك لبعيد الشبه بالقوم .
تفصيل حال الصحابة في جمع المال : وبعد: فإن خيار الصحابة كانو للمسكنة محبين، ومن خوف الفقر آمنين وبالله عز وجل ميسرورين وفي البلاء راضين، وفي الرضا شاكرين، وفي الضراء صابرين، وفي السراء حامدين، وكانوا لله متواضعين، وعن حب العلو والتكائر ورعين، لم ينالوا من الدنيا إلا المباح لهم ، ورضوا بالبلغة منها ولا رجو الدنيا، وقد أقرضوها قرضا(1) وقطعوا أمورها قطعا، وصبروا على مكارهها، وتجرعوا مرارتها، وزهدوا في نعيمها وزهرتها، فبالله اكذلك أنت ؟ والله إنك لبعيد الشبه بالقوم ولقد بلغنا أنهم كانوا إذا أقبلت الدنيا عليهم حزنوا(2)، وقالوا : ذنب عجلت عقوبته، وإذا رأوا الفقر مقبلا قالوا : مرحبا بشعار الصالحين .
(1) في الأصل: وقدرضوها تحريف .
(2) في الأصل : يحزنوا.
Shafi 80