============================================================
الحارث بن أسد المحاسبي الذي سبق الغزالي بمزج الفقه الإسلامي مع عنصره الروحاني والنفسي، فجاء أستاذا فريدا في بابه، سابقا في منهجه لم تعرف له نظيرا سبق عليه، ولا لحق به في مضماره كمنهج عميق من التحليل النفسي لأول مرة في التاريخ، واستخدام هذا التحليل النفسي في خدمة شريعة الإسلام لأول مرة في الفكر الديني على الإطلاق.
نشا الحارث في بيت علم وثراء . فأبوه كان واسع الثراء، وكان معنيا بالفكر الديني، إلا انه كان قدري المذهب، ولم يكن سنيأ مستقيم الطريقة: ولكن الحارث على أي حال فتح عينيه على الحياة فراى أباه من رجال الفكر، مما كان له بالتاكيد أثره على اتجاه الحارث نحو الفكر هو الآخر، ولكن لا على وجه التقليد الأعمى، وإنما كان اتجاهه يكشف عن شخصية مستقلة، وعقل يأبى إلا العمل والدوران في أفلاكه حتى يرسم معالم طريقه بنفسه، ولا يرسمه له الآباء ولا العشائر.
وانتقل الأب بأسرته وفيهم الحارث إلى بغداد، وبين مدارسها، ولفظها الجدلي، ودار حكمتها، وحركتها الثقافية التي لا تهدا، والتي كانت مدا قويا لفتوة الإسلام في الحقيقة، وفجأة تبدأ أول البوادر الفريدة في شخصية الحارث المحاسبي الفريد هو الآخر. فلقد اختار الولد طريق السنة معارضا قويا لأبيه، وظهرت تلك المعارضة علانية عند "باب الطاق" في بغداد، إذ أمسك الحارث بأبيه هناك، وجمع حوله الناس، وقال له على مسمع منهم : طلق آمي، فإنك على دين وهي على دين غيره . وذلك أن الرجل كان قدريا، وأن ابنه كان يؤكد كفر القدرية.
لم تنعه حشمة الأبوة عن إعلان رأيه، وانذار آبيه، ما دام الأمر يتصل بالاسلام الذي بدأ يسري في أوصال الحارث، ليجعل منه هو الآخر صورة متحركة مجاهدة قوية قوية الحركة والكلمة، صادق صدق الإسلام، ونقية نقاءه ومنصورة بنصر الله القاهر
Shafi 20