169

============================================================

وتذاكروا منه بقدر الحاجة إلى بيانه للمريدين، خشية الخروج إلى كتمانه (1).

فقد كانت المساءلة تقع على عهد السلف رضي الله عنهم، فيود كل آمرىء منهم أن أخاه كفاه الجواب، وكان الرجل منهم يعلم الكثير، ويفقه الفقه الكثير وما يعلم به جاره. وقال بعض الصحابة: "رأيت ثلاثمائة بدوي، ما منهم الرجل إلا وهو يشتهي الكفاية في المفتي: وبعد: فإن أظهر أحدكم آمره، وأبدى علمه، فنسب الى الجهل والخطا، لم يؤمن عليه الأنفة والامتعاض والحقد، فإن استحسنوا قوله لم يؤمن عليه الفتنة والتزين والإعجاب، وإن قال بغير علم لم يؤمن عليه الجرح، وإن تكلف القول لم يؤمن عليه الأنفة أن ينسب إلى الجهل، فإن الله عز وجل لا يحب المتكلفين حب خول الذكر من منن السلف : وبعد: فأني لك بالسلامة، مع الصمت وخمول الذكر. فكيف اذا نصبت نفسك عالما يشار إليك وتطاع (1)، ويغدي ويراح إليك، ويقبل قولك، ويصدر عن رأيك، ويرضى لرضاك، ويغضب لغضبك ؟ وعساك تفرط في بغض المخالفين لك، وتفرط في حب الموافقين لك، وعلام الغيوب مطلع على جولان الضير فيا لها فتنة ما أعظمها على العبد، إلا من عصمه الله، فهذا فضل ما بين الرجلين : أحدهما يظهر ما عنده من العلم، ويتعرض لأنواع الفتن، فإما سلامة واما عطب، والآخر يكتم شأنه، فسلم بمن الله وعصمته (1) قال سيدي داود بن ماخلا : العلوم ثلاثة : علم صلوكي، فيجب إبداؤه وعلم كشفي فقد لا يباح إظهاره . وعلم سري فلا يباح إظهاره قط. والمراد بالعلم السري المشاهدات التي يشاهدها العارف من كجليات الأسماء والصفات على الكون فلكل عارف مشهد، وقد تختلف المشاهد، والكلام فيها قد تتولد عنه المشاحنات القاطعة عن الطريق (2) في الأصل : ويطاعك

Shafi 169