توفيت وردة اليازجي في مطلع تلك السنة بمدينة الإسكندرية. والأستاذ سليم سركيس صاحب الأسلوب اللبق الخاص في التمهيد لبعض الموضوعات والتنبيه إلى ما يحب من الأغراض، نشر يوما في مجلته خطابا منه إلى وردة اليازجي في السماء، وأخبرها في الختام أني عاكفة على درس آثارها على الطريقة التي درست بها «باحثة البادية» من قبل. فوقعت كلمته مني موقع الحض والاستحثاث. وأردت أن أقوم بالواجب نحو اليازجية، مع علمي بصعوبة الكتابة عنها؛ لتشابه المعاني التي تركتها في الشعر والنثر وخلو آثارها مما قد كان يرسم صورة من طبيعتها وميولها الصميمة.
وإذ تلقيت دعوة الجمعية لإلقاء محاضرة مع الحرية في اختيار الموضوع، كان خيال الست وردة يطوف في خاطري، وديوانها بين يدي أقلب صفحاته وأستخرج عصيره.
ولا يسعني هنا إلا أن ألمح ولو بإشارة طفيفة إلى تقديري لجهود العاملات من اللاتي سبقن جيلنا، ففتحن لنا الطريق. أقول: «فتحن الطريق» مع أنهن وضعن عند عتبة المجاهل علامة ليس غير. على أن لتلك العلامة قيمتها وفائدتها، لا سيما إذا ما ذكرنا الوقت الذي وضعت فيه. فبقي علينا نحن أن نستكشف طبيعة المرأة الشرقية لنسجلها في الوجود، ونسعى بعدئذ لإنمائها وصقلها فنبرزها كما هي في جوهرها تحفة وينبوعا وذخيرة.
إن خير ما تركته شاعرتنا أبيات النوح والرثاء. وهي لم تكن تدري أنها ستنشئ بعد وفاتها «قصيدة» من أنفع قصائدها. ألا وهي أن تباع هذه المحاضرة التي أوحاها اسمها في سبيل إعانة المنكوبين ببلادها.
ألا فلترفرف هذه الفكرة على مضجعها الأخير رفرفة رقيق النسمات وحبيب الذكريات! «مي»
وردة اليازجي
أيتها السيدات والأوانس!
أكاد أشعر بأني معبرة عن رأي كل منكن بتحبيذ هذه الاجتماعات النسوية والتنويه بالفائدة منها والنتيجة؛ لأن المرء كثيرا ما يتجرد من شخصيته الصميمة أمام من يختلف عنه بطبيعته وأحواله، وذلك ليهتم بأمور غريبة عنه وقد لا تروقه دائما.
وفي هذا التجرد من الشخصية لاستيعاب ما هو غريب عنا غيرية ممدوحة توسع النفس وتهيئها للإلمام بجزء أكبر من الحياة. ولكن من طبيعة الإنسان - فردا كان، أم مجموعا، أم جنسا - أن يرجع إلى نفسه حينا بعد حين. فيتعهدها بالسكوت والتأمل، أو يتحدث عنها بأسلوب من الأساليب، أو هو يصغي إلى المتحدثين عن نفوسهم أو عن نفوس الآخرين بما في وجدانه من الخوالج الواضحة أو المبهمة.
ولما كنا في مثل هذا الاجتماع عاكفات على شئوننا النسوية دون رقيب أو محاسب، تيسر لنفوسنا أن تصفو من الشوائب، فتستسلم لما يجوز أن نسميه «مغناطيس الخير».
Shafi da ba'a sani ba