قال سيمكنز: «لكنني لا أرى نفعا من كل ذلك، وإن كنت قد أصابني اليأس وعلى استعداد لفعل أي شيء. لقد فكرت في تفجير نفسي في أحد اجتماعاتهم.»
وحين حل مساء يوم الجمعة الذي سيعقد فيه الاجتماع، امتلأت القاعة الكبرى في حانة كليمنت عن آخرها. ورأى المجتمعون هناك منصة في أحد أطراف المكان، وبابا يؤدي منها إلى حجرة في مؤخرة القاعة. وكانت هناك طاولة على المنصة، وعليها صناديق وأجهزة كيميائية وأدوات علمية أخرى. وفي تمام الساعة الثامنة، ظهر سيمكنز الشاب واقفا وحده أمام الطاولة وقال: «زملائي اللاسلطويين، أنتم تعرفون جيدا أنني سئمت الأحاديث الكثيرة التي نخوض فيها، وسئمت كذلك قلة ما نأتي به من أفعال بعدها. وكنت محظوظا بما يكفي لأن أحصل على تعاون أحد دعاة اللاسلطوية الأمريكيين، الذي سيحدثكم عن تلك القضية هناك. لقد أوصدنا الأبواب، والأشخاص الذين يحتفظون بالمفاتيح يجلسون الآن بالأسفل أمام مدخل الحانة، حتى يستطيعوا إخراجنا بسرعة إذا ما وقع حريق. لا يوجد خطر كبير من اندلاع حريق، بيد أننا ينبغي أن نحصن أنفسنا جيدا من تدخل الشرطة ومقاطعتها. والنوافذ - كما ترون - مغلقة ومزودة بقضبان، ولا يمكن لشعاع ضوء أن ينفذ من هذه الغرفة إلى الخارج. وحتى تنتهي المحاضرة، لا أحد بوسعه أن يغادر الغرفة، كما أن لا أحد بوسعه الدخول إليها، وهذا إمعانا في تحقيق الغرض.
لقد كرس صديقي البروفيسور جوزايا بي سليفرز حياته لدراسة كيمياء اللاسلطوية، وهذا هو عنوان المحاضرة اليوم. وسيخبركم عن بعض الاكتشافات المهمة، التي سيكشف عنها الآن لأول مرة. ويؤسفني أن أقول إن البروفيسور ليس في حالة صحية جيدة جدا؛ وذلك بسبب السلبيات والعوائق التي تعتري خط الحياة الذي انتهجه. لقد فقد عينه اليسرى في انفجار سابق لموعده أثناء إجرائه بعض التجارب. كما أنه أصيب بإعاقة مستديمة في ساقه اليمنى. وستلاحظون أن ذراعه اليسرى معلقة في حمالة كتف، وذلك جراء إصابته في حادثة صغيرة وقعت في مختبره حين قدم إلى لندن. وكما سترون، فإنه رجل كرس روحه وجسده لخدمة القضية؛ ولذا آمل أن تنصتوا إليه جيدا وتعيروه آذانا مصغية. ويؤسفني أنني لن أتمكن من البقاء معكم الليلة؛ وذلك لأنني مشغول بمهام أخرى ملحة يتوجب علي القيام بها. ومن ثم إذا سمحتم لي، فسأغادر من المدخل الخلفي بعد أن قدمت البروفيسور إليكم.»
في تلك اللحظة سمع صوت وقع قدم خشبية، ورأى الحضور أمامهم رجلا يسير بعكاز، وإحدى ذراعيه معلقة في حمالة كتف ويلف إحدى عينيه بضمادة، وقد نظر إليهم بعينه الأخرى بود.
قال سيمكنز: «زملائي اللاسلطويين، اسمحوا لي أن أقدم لكم البروفيسور جوزايا بي سليفرز من الولايات المتحدة.»
وهنا انحنى البروفيسور وصفق الحضور. وبمجرد أن بدأ التصفيق، رفع البروفيسور ذراعه السليمة وقال: «أيها السادة، أستميحكم عذرا ألا تصفقوا.»
فيما يبدو، جرى العرف في أمريكا على مخاطبة جميع الرجال من كل الفئات والأنواع ب: «أيها السادة.»
وأكمل البروفيسور حديثه: «في حوزتي بعض المتفجرات الشديدة الحساسية للغاية حتى إنها لتنفجر عند أقل اهتزاز؛ ولذا فإنني أطلب منكم أن تستمعوا في صمت إلى ما سأقول. وعلي أيضا أن أطلب منكم تحديدا ألا تضربوا الأرض بأقدامكم.»
وقبل أن يختتم البروفيسور كلامه، كان سيمكنز قد انسل خارجا من المدخل الخلفي، وبطريقة ما خلف فراره هذا تأثيرا مكدرا على الرفاق الذين نظروا إلى البروفيسور المبتلى بعيون يملؤها العجب والتوجس.
سحب البروفيسور نحوه أحد الصناديق وفتح غطاءه. ثم وضع يده السليمة في الصندوق ورفعها وترك شيئا مثل نشارة الخشب المبللة ينسل من بين أصابعه وقال في ازدراء شديد: «هذا أيها السادة هو ما يعرفه العالم باسم الديناميت. ولا شيء لدي أقوله ضده. ففي عصره كان الديناميت وسيلة فعالة للغاية لتوصيل أصواتنا إلى آذان العالم أجمع، إلا أن عصره هذا قد ولى وانقضى. إنه الآن مثل العربة التي تجرها الجياد في مقابل القطار، أو مثل الخطابات في مقابل البرقيات، أو مثل السفينة الشراعية في مقابل السفينة البخارية. وسيكون من دواعي سروري الليلة أن أقدم لكم مادة متفجرة شديدة القوة والفتك، وبعدما ترون ما يمكن أن تفعله تلك المادة لن يسعكم سوى الاستهزاء بالمركبات البسيطة وغير الضارة كالديناميت والنتروجلسرين.»
Shafi da ba'a sani ba