Fuskar Wani Bangaren Almasihu
الوجه الآخر للمسيح: موقف يسوع من اليهودية – مقدمة في الغنوصية
Nau'ikan
ويقول مؤلف نص «رسالة في البعث»: «إن القيامة ليست وهما بل حقيقة، ومن الأفضل لنا أن نقول بأن العالم هو وهم».
22
وعلى الرغم من غياب فكرة القيامة العامة للموتى في اليوم الأخير عن العقيدة الغنوصية، إلا أن بعض نصوص نجع حمادي تقدم لنا تصوراتها الخاصة عن «اليوم الأخير»، الذي تتزعزع فيه قوى الظلام ويئول العالم المادي إلى نهايته. فعندما تحقق معظم نفوس البشر تحررها من خلال معرفة الله، تقترب ساعة نهاية العالم التي يشعر بها الأركون الأعظم وبطانته، مثلما تشعر المرأة الحامل بقرب ساعة الولادة، فيحاولون جهدهم منع الكارثة ولكنهم يفشلون في كل مسعى وغاية، فتهتز عروشهم وتنقلب، وتنطبق السماء على الأرض هاوية نحو العالم الأسفل، وتنبعث في وسط العالم نار آكلة تأتي على كل شيء، ثم تلتهم نفسها قبل أن تنطفئ، وفي هذه الأثناء يتحرر ما تبقى من النفوس الفاضلة في العالم، أما النفوس التي لم تستطع حتى ذلك الوقت تطهير نفسها، فتفنى مع بقية عناصر المادة وحكامها.
23
كلمة أخيرة لا بد من قولها بخصوص الأخلاق الغنوصية.
انطلاقا من موقفها الرافض للعالم، فإن الغنوصية ترى أن الأخلاق التي فرضها إله هذا العالم، إنما فرضت لإبقاء العالم على حالته الراهنة، وإبقاء المجتمعات الإنسانية تحت سيطرة الأركون الأعظم، وهي في النهاية أخلاق براغماتية بالنسبة لأولئك الذين يعتنقونها، فالذي يعمل بقاعدة «لا تسرق» إنما يفعل ذلك لكي لا يتعرض هو نفسه إلى السرقة، والذي يعمل بقاعدة «لا تقتل» إنما يفعل ذلك لكي لا يتعرض هو نفسه للقتل، والذي يعمل بقاعدة «لا تزن» أو «لا تشته امرأة قريبك» إنما يحمي نساءه من الاعتداء الجنسي.
إن مثل هذه النواهي الواردة في شريعة إله التوراة ليست أخلاقا حقيقية، والالتزام بها لا ينشأ عن تلمس حقيقي للخير الكامن في النفس الإنسانية، وإنما ينبع من الخوف من صاحب الشريعة، الخوف من الآخرين الذين يمثل عدم التزامهم باللوائح الأخلاقية تهديدا للآخرين، أما الأخلاق الغنوصية فتنشأ عن الحرية التي يحققها الغنوص للإنسان، وعن اكتشاف مصدر الخير الأسمى في داخله. فالمعرفة تحقق كمال الإنسان، والكامل لا يستطيع إلا فعل الخير، لا خوفا من هذا ولا طمعا في ذاك، والأب النوراني الأعلى لا يطلب من الإنسان إلا أن يعرفه في داخله، وعندما يعرفه يغدو حرا وكاملا وخيرا، وفي هذا يقول مؤلف إنجيل فيليب: «إن من يمتلك معرفة الحق يغدو حرا، والحر لا يرتكب الخطيئة؛ لأن من يرتكب الخطيئة هو عبد للخطيئة ... إن المعرفة تسمو بقلوب المؤمنين وتحررهم وتجعلهم فوق العالم، وهم لا يستعبدون إلا للحب.»
24
ومثلما تغني هذه الأخلاقية الغنوصية النابعة من الداخل عن القواعد المفروضة من الخارج، فإنها تغني أيضا عن الوصايا الطقسية وعن العبادات الشكلانية التي لا يطلبها الأب النوراني الأعلى، وقد عرى يسوع هذا النوع من العبادات الشكلانية في إنجيل توما، عندما سأله التلاميذ: «أتريدنا أن نصوم؟ كيف نصلي؟ هل نتصدق؟ ماذا نأكل وماذا لا نأكل؟» فقال لهم جملة تختصر الوصايا الأخلاقية والوصايا الطقسية: «لا تقولوا كذبا ولا تفعلوا ما تكرهون.»
25
Shafi da ba'a sani ba