Fuskar Wani Bangaren Almasihu
الوجه الآخر للمسيح: موقف يسوع من اليهودية – مقدمة في الغنوصية
Nau'ikan
44
وقد كان لسمعان عدد من التلاميذ أشهرهم دوتيسيوس وميناندر، اللذان بشرا في سورية، واتخذا من أنطاكية مقرا لهما.
يروي سفر أعمال الرسل في العهد الجديد عن سمعان ماجوس ما يلي: «فنزل الرسول فيليبس مدينة سامرية وجعل يبشر بالمسيح ... وكان في المدينة قبل ذلك رجل اسمه سمعان، يفتري السحر ويفتن أهل السامرة، زاعما أنه رجل عظيم، فكانوا يلزمونه من صغيرهم إلى كبيرهم، ويقولون: هذا هو قوة الله العظيمة، وإنما لزموه لأنه أخذ يفتنهم بأساليب سحره من زمن طويل، فلما آمنوا بكلام فيليبس الذي بشرهم بملكوت الله واسم يسوع، اعتمدوا رجالا ونساء، وآمن سمعان أيضا» (8: 4-12).
ولكن سفر أعمال بطرس المنحول يعطينا صورة أخرى، حيث نجد سمعان وبطرس في روما، وكل منهما يظهر الآيات والمعجزات لإثبات صحة رسالته، ثم اجتمع الرجلان للمنافسة، وبالرغم من أن سمعان قد أظهر في هذه المواجهة أعجوبة عظيمة، عندما طار وحلق فوق أحياء روما، إلا أن الغلبة في النهاية كانت لبطرس، بتأييد المسيح الذي ظهر له في الحلم، ووعده بأن أعمال سمعان كلها سيظهر للملأ بطلانها، كونها تعتمد على السحر والإيهام.
45 (6) هل كان يسوع غنوصيا؟
إن الحديث الذي سقناه أعلاه عن المدرسة الغنوصية السامرية، يعطينا مفتاحا لفهم مقطع غامض ورد في إنجيل يوحنا، حيث وصف اليهود يسوع بالسامري: «فقال اليهود: ألسنا على صواب إذا قلنا إنك سامري، وإن بك مسا من الشيطان؟» (يوحنا 8: 48)، فكيف يكون يسوع سامريا وكل الأناجيل الأربعة تروي أنه ولد في بيت لحم، وعاش حياته وبشر برسالته في الجليل، ثم مات في أورشليم؟ إن التفسير الوحيد لصفة السامري هنا، هو أن اليهود قد شعروا منذ البداية بوجود صلة بين تعاليم يسوع الغريبة عليهم، وبين تعاليم الغنوصية السامرية، فهل كان يسوع غنوصيا؟
إن الأناجيل الأربعة التي بين أيدينا اليوم هي نتاج عملية تحريرية طويلة: فقد دونت باللغة اليونانية خلال الفترة ما بين العام 70م والعام 110م، وعزيت إلى بعض تلاميذ المسيح مثل متى ويوحنا، أو إلى أشخاص عملوا مع الرسل ورافقوهم في رحلاتهم التبشيرية مثل مرقس ولوقا، ونظرا للصراع بين الفرق، مما رافق تشكل ونشوء الكنيسة المسيحية، فقد خضعت هذه النصوص إلى الكثير من التعديل والتنقيح لتلائم وجهة نظر الكنيسة القويمة، التي كانت ترسخ أقدامها وتعمل بجد على التخلص من خصومها، وعندما تحول الإمبراطور قسطنطين إلى المسيحية أمر بإتلاف جميع المؤلفات التي تتعارض مع العقيدة القويمة، ثم شكل في عام 331م لجنة من رجال الدين كلفها بإعداد نسخ جديدة من الكتاب المقدس، ويبدو أن ما توفر لهذه اللجنة من نسخ قديمة تعتمدها لإعداد النسخ الجديدة كان قليلا جدا، بعد أن كان سلف قسطنطين الإمبراطور ديوقليانوس قد أمر بإتلاف جميع الكتب المسيحية التي أمكن العثور عليها، وذلك في آخر حملة رسمية شاملة على المسيحية جرت عام 303م، وكان من نتيجتها فقدان الوثائق المسيحية لا سيما ما كان منها موجودا في روما، وقد هيأ هذا الوضع فرصة لا تجارى لحماة الإيمان القويم، مكنتهم من تنقيح الوثائق وتحريرها،
46
وهي العملية الأخيرة التي أعطت يسوع الوجه الذي يعرفه العالم عنه.
مع ذلك فإن الأناجيل الرسمية قد حافظت على ملامح من الوجه الآخر للمسيح ذي صبغة غنوصية واضحة، وسنبدأ في استجلاء هذا الوجه من أول ما قام به يسوع، بعد أن هبط عليه الروح القدس عقب اعتماده بالماء على يد يوحنا المعمدان، عندما مضى وحيدا يتأمل في الصحراء، وأتى الشيطان ليختبره، وهذه حادثة لم تلق من الباحثين حتى الآن عناية كافية، على الرغم من أنها في اعتقادي مفتاح لفهم العهد الجديد برمته، نقرأ في إنجيل لوقا، وما يوازيه في إنجيل متى ما يلي: «فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء، وإذا السموات قد انفتحت له، فرأى روح الله نازلا مثل حمامة وآتيا عليه، وصوت من السموات قائلا: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت ... ورجع يسوع من الأردن وهو ممتلئ من الروح القدس، فاقتاده الروح في البرية أربعين يوما، وإبليس يجربه، ولم يأكل شيئا في تلك الأيام حتى انقضت، فأحس بالجوع، فقال له إبليس: إن كنت حقا ابن الله فقل لهذه الحجارة أن تصير أرغفة، فأجابه: مكتوب أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل من كل كلمة تخرج من فم الله. فمضى به إبليس إلى المدينة المقدسة، وأقامه على شرفة الهيكل وقال له: إن كنت ابن الله فألق بنفسك إلى الأسفل، فإنه مكتوب: يوصي ملائكته بك فيحملونك على أيديهم فلا تصطدم رجلك بحجر. فقال له يسوع: مكتوب أيضا: لا تجرب الرب إلهك. ثم مضى به إبليس إلى جبل عال جدا، وعرض عليه ممالك الأرض في لحظة من الزمن، ثم قال له: أجعل لك هذا السلطان كله، ومجد هذه الممالك؛ لأنه سلم إلي وأنا أجعله لمن أشاء، فإن سجدت لي يعود إليك ذلك كله. فقال يسوع: اذهب يا شيطان؛ لأنه مكتوب: للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد. فلما أفرغ إبليس جميع ما عنده من تجربة، انصرف عنه إلى حين» (لوقا 4: 1-13)، و(متى 3: 16-17)، و(4: 1-13).
Shafi da ba'a sani ba