توجد عروبة واحدة كهوية متصلة عبر التاريخ ذات عادات وثقافات ولهجات متعددة. لهجات العرب وزيهم وطعامهم وعاداتهم وتقاليدهم تتغير بتغير الشعوب العربية. أما هوية الشعب العربي في اللغة والثقافة فواحدة. وهناك عادات لشعب انتشرت لدى شعوب أخرى مثل غطاء الرأس حماية من الحر أو غطاء الوجه حماية للرمال. تنتشر في مجموع الصحراء العربية في شبه الجزيرة لتشابه الظروف الجغرافية. و«الأرابيسك» فن أوزبكي انتشر بانتشار الإسلام لأنه فن مجرد يحافظ على التنزيه، ولا يقع في التشبيه.
أصبحت القومية العربية أحد روافد الفكر السياسي العربي الحديث وإحدى أيديولوجياته السياسية المنتشرة في الشام والعراق وعلى أطراف الجزيرة العربية في الخليج واليمن. وحكمت فيها. أخطأت وأصابت، قهرت وحررت ، وكونت الوجدان العربي الحديث بانتصاراته وهزائمه. وأصبحت جزءا من الأناشيد الوطنية «وكل بلاد العرب أوطان»، عدنان وقحطان، لبنان وتطوان، من الخليج الثائر إلى المحيط الهادر. وظهر مفكرون قوميون مثل ساطع الحصري ونديم البيطار. وأنشئت أحزاب قومية رائدة مثل حزب البعث العربي الاشتراكي. وقامت ثورات عربية مثل الثورة العربية الكبرى. وأنشئت تجارب عربية وحدوية مثل «الجمهورية العربية المتحدة». وقامت مجالس تعاون بين أكثر من قطر عربي. وتأسست الجامعة العربية بيتا للعرب.
وأمام مخاطر التفتيت والتجزئة للأمة إلى دويلات عرقية عربية وكردية وبربرية وتركمانية وزنجية، وطائفية سنية وشيعية ومارونية وقبطية وإسلامية حتى تصبح إسرائيل أكبر دولة عرقية طائفية يهودية في المنطقة، يساهم الإسلام القومي في الحفاظ على الوحدة العربية باسم القومية العربية. فقد خسرت الأمة الوحدة الإسلامية ممثلة في نظام الخلافة في 1924م لصالح القومية العربية. ثم خسرت القومية العربية عدة مرات بعد هزيمة يونيو (حزيران) 1967م وحربي الخليج الأولى عام 1980م والثانية عام 1990م لصالح القطرية. والآن تخسر القطرية لصالح الدويلات العرقية والطائفية.
والمقصود من تفتيت المنطقة عزل مصر من محيطها العربي، ونزع القلب من الأطراف حتى تلتهم القوى الكبرى الأطراف شرقا وغربا. وفي عصر التكتلات الكبرى مثل العولمة أو التجمعات الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي فإن تجمعا عربيا يضم أكثر من مائتين وخمسين مليونا من العرب، تحوط به دول الجوار إيران وتركيا يمثل ثقلا دوليا يحمي الأقطار من الاندثار. له جناحه الشرقي في آسيا، والشمالي في تركيا، والغربي في أوروبا، والجنوبي في أفريقيا. يربط بين القارات الثلاث، أفريقيا وآسيا وأوروبا. ويكون ميزان الثقل في العالم الجديد كما كان قديما في الفترة الإسلامية الأولى. ويرث أوروبا بعد أن فقدت استقلالها بتبعيتها للولايات المتحدة الأمريكية. حينئذ ينسى العالم صور الإرهاب والعنف والتخلف والقسوة والتسلط. ويحيي ذكرى غرناطة وقرطبة وإشبيلية وطليطلة. ويبقى تاج محل وقصر الحمراء من عجائب الدنيا. (13) الإسلام الأممي
والإسلام كما هو معروف لا يعرف حدود الأوطان أو الأعراق، فهو أيديولوجية أممية لمجموع المسلمين تحت لواء «الأمة الإسلامية». وهي أمة لا تتكون فقط من المسلمين بل من جميع المؤمنين بأديان أخرى داخل الأمة الإسلامية مثل أهل الكتاب، اليهود والنصارى، والصابئة، والمجوس، وقياسا عليه أضاف القاضي عبد البر «عبدة الأوثان». ويمكن إضافة الديانات الآسيوية الأخرى كالهندوكية، والبوذية والتاوية والكونفوشيوسية. الأمة الإسلامية أمة متعددة الأعراق والديانات. ولا تتكون فقط من المسلمين. والكل متساوون في الحقوق والواجبات. وعلى هذا الأساس أقيم «ميثاق المدينة»، وهو أشبه بحلف الفضول الذي وقعه الرسول قبل البعثة لنصرة المظلوم أيا كان ضد الظالم أيا كان. وله صياغاته الحديثة في الدول الفيدرالية أو الكونفيدرالية أو الاتحادات مثل الاتحاد الأوروبي قولا وعملا، والاتحاد الأفريقي قولا، ومثل التجمعات الإقليمية، «الآسيان» في جنوب شرق آسيا أو «النافتا» في أمريكا الجنوبية أو «منظمة شمال الأطلنطي» في أوروبا أو «الاتحاد السوفيتي» في آسيا.
الأمة الإسلامية واقع تجسده بعض المنظمات مثل «منظمة المؤتمر الإسلامي» بالرغم من عدم فاعليته وارتباطه بسياسات حكوماته. وتقوم على الإحساس بالإخوة بين المسلمين والتضامن بعضهم مع البعض والدفاع عن مصالحهم المشتركة كما أراد الأفغاني وكما تصور الكواكبي في «أم القرى». وهي ليست وحدة خيالية. مثلها مثل الأممية الاشتراكية، والعولمة الرأسمالية وتعييناتها المختلفة في الشركات المتعددة الجنسيات، ومجموعة الثمانية الأكثر تصنيعا والقائمين بالفعل ولا يعتبرهما أحد من صنع الخيال. هي وحدة التاريخ والثقافة، انعكاس التوحيد على البشر «كلكم لآدم وآدم من تراب»، وخلق البشر جميعا من نفس واحدة.
ولا تعني الأمة الإسلامية بالضرورة نظام الخلافة المركزي في المدينة أو دمشق أو بغداد أو القاهرة أو استانبول، بل يعني وحدة المصالح والهدف والمصير. وتتعدد الصيغ السياسية لتحقيق ذلك ابتداء من الدولة الوطنية القوية أو مجالس التعاون بين جارتين أو عدة جارات أو مجالس التعاون الإقليمي الذي يضم أكثر من دولة أو جامعة إقليمية عربية مثل جامعة الدول العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي أو تجمعا شرقيا يضم آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية مثل دول عدم الانحياز والعالم الثالث، والتضامن الآسيوي الأفريقي دون قفز على الدولة الوطنية أو التجمعات الإقليمية في إطار من نظرية الدوائر الثلاث: الوطن والعروبة والإسلام.
ومن الطبيعي لا يلغي الإسلام الأممي الواحد الخصائص القومية للشعوب. فهناك الإسلام الآسيوي القادم بعد أن تعب العرب من حمله على مدى أربعة عشر قرنا. الإسلام في إيران وتركيا وماليزيا وإندونيسيا والجمهوريات الإسلامية في أواسط آسيا، وهو القوة السياسية الوحيدة الفعالة في باكستان وأفغانستان، وهو من حيث السكان أكبر تجمع إسلامي من الإسلام الأفريقي أو الإسلام الأوروبي أو الإسلام الأمريكي شمالا وجنوبا. ويقوم على الإيمان الشديد وعلى التوحد بالأعراق والمذاهب والطوائف والقبائل. تغلب عليه المحافظة الدينية والممارسات الشرعية الصورية. يمارس العنف أحيانا إذا ما ضاق بالنظم السياسية التابعة للغرب.
وهناك الإسلام الأفريقي. يغلب عليه الشخصية الأفريقية والثقافة الأفريقية والفن الأفريقي بل وبعض أشكال السحر الأفريقي والخرافات والأساطير الأفريقية كثقافة شعبية. يغلب عليه الطابع الصوفي. فقد انتشر على أيدي الطرق الصوفية، الأذكار والأوراد والسماع الذي يتفق مع الرقص الأفريقي. ويتعامل مع الوسائط وأشكال التبرك والأحجبة والطب النبوي كما هو شائع في أفريقيا. ويزداد الجانب الشعائري في الوضوء والصلاة والصوم والحج للحصول على لقب حاج. وسعيد بنظام تعدد الزوجات المتفق مع العادات الأفريقية في العائلة الكبيرة والمنزل الكبير حيث يعيش الجميع في وئام وسلام طبقا لنظام عادل. أصبح الاستثناء هو القاعدة والقاعدة هو الاستثناء. تكثر فيه المظاهر الاحتفالية بالمناسبات والأعياد خاصة المولد النبوي وموالد الأولياء والقديسين طبقا للعادات الأفريقية. يقوم على الترابط الاجتماعي ونظام القرابة واحترام الجار. وينأى بنفسه عن الصراعات القبلية والعرقية وإن كان أحيانا يجعل من تطبيق الشريعة الإسلامية أحد أسباب التوتر الذي قد يصل إلى حد الصراع بين المسلمين والمسيحيين، بين الشمال المسلم والجنوب المسيحي كما هو الحال في السودان ونيجيريا أو الجنوب المسلم والشمال الأفريقي مثل الفلبين أو البوذي كما هو الحال في تايلاند وبورما.
وهناك الإسلام الأوروبي الذي تغلب عليه أيضا الشعائرية للتأكيد على الهوية الجديدة للمسلم الأوروبي، الذقن والجلباب، وغطاء الرأس، ورفض العادات الغربية في العري والحرية الجنسية. كما يرفض القيم الأوروبية مثل المادية والإلحاد ومظاهر الحياة الآلية في الصناعة والاستهلاكية في الاقتصاد. يغلب عليه التصوف والروحانية الزائدة كرد فعل على ما يسود الغرب من علم وحداثة.
Shafi da ba'a sani ba