Wahm Thawabit
وهم الثوابت: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
Nau'ikan
والفلاسفة بدورهم يقعون في نفس الخطأ، بل قد يفعلون ذلك متبعين أفلاطون بطريقة صريحة ومنظمة. إنما يتوجب علينا بدلا من ذلك أن نكون - ونحن ننخرط في عملية فهم الواقع - على دراية بأن «فهم الواقع» هو عملية البحث عن تبسيطات مفيدة (ثم استغلالها فيما بعد). فنحن بالتأكيد لسنا بصدد البحث عما هو أكثر واقعية من أشياء الواقع (كما يشير أفلاطون).
إن الانخداع بمغالطة الماهوية يفضي إلى كل ضروب الخطأ. وبعض هذه الأخطاء قد يفسر لنا أفظع ويلات التاريخ البشري. (2) الذهن المتقطع
يطلق ريتشارد دوكنز على نزعة الماهية «استبداد الذهن المتقطع»
tyranny of discontinuous mind ، ويردها إلى أفلاطون ورؤيته المعينة للأشياء التي هي رؤية مهندس إغريقي؛ فالدائرة المرسومة على الرمل هي تقريب للدائرة الأفلاطونية المثالية المعلقة في مكان تجريدي ما. مثل هذا يجوز بالنسبة للأشكال الهندسية كالدوائر؛ غير أن الماهوية قد طبقت على الأشياء الحية. ولعل هذا هو ما أفضى إلى التأخر الشديد في اكتشاف التطور فلم تدركه البشرية إلا في القرن التاسع عشر. فإذا كنت تنظر إلى الأرانب الحقيقية ذات اللحم والدم على أنها تقريبات غير تامة لأرنب أفلاطوني مثالي، فلن يخطر لك أن الأرانب قد تكون تطورات من سلف غير أرانب، وأنها قد تتطور إلى خلف غير أرنب. إذا كنت تفكر متبعا التعريف المعجمي للماهوية أن «ماهية»
essence
الأرنب «سابقة» على وجود الأرانب (أيا ما كان معنى «السبق» هنا) فلن يكون لفكرة التطور أن تقفز طوعا إلى ذهنك، وستقاومها إذا أوحى بها أحد إليك.
سيختلف علماء الحفريات فيما بينهم أشد الاختلاف حول ما إذا كانت حفرية معينة هي مثلا: «أسترالوبيثيكوس»
Australopithecus
أم «هومو»
Homo ؛ غير أن أي عالم تطور يعرف أن ثمة بالتأكيد أفرادا كانوا بين الاثنين تماما. إنه لمن الحماقة الماهوية أن تصر على ضرورة حشر حفريتك داخل أحد الأنواع أو الآخر. لم توجد قط أم أسترالوبيثيكوس أنجبت طفلا هومو؛ لأنه ما من طفل ولد إلا وينتمي إلى نفس النوع الذي تنتمي إليه أمه. إن المنظومة بأسرها - منظومة تسمية الأنواع بأسماء متقطعة غير متصلة - هي منظومة مكيفة لشريحة زمنية هي الحاضر، حيث تفرض المواءمة حذف أجداد لنا من مجال درايتنا. إنه ليكون من المستحيل تبني التسمية المتقطعة لو أن كل جد - بفعل معجزة ما - ظل قائما كحفرية محتفظ بها. وما «الفجوات» التي يولع أعداء التطور ولوعا مضللا بالدفع بها لإحراج التطوريين إلا نعمة تصادفية للمصنفين الذين يريدون بحق أن يعطوا الأنواع أسماء منفصلة منمازة.
Shafi da ba'a sani ba