Wahm Thawabit
وهم الثوابت: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
Nau'ikan
Wilson’s disease ). أما عامة الأمراض النفسية فالانتقال الجيني فيها أمر معقد ويتضمن عددا هائلا من الجينات.
تختلف نظرة الناس إلى المرض العقلي حين يدركونه كمرض جيني عنها حين يدركونه كمرض ذي أساس اجتماعي بيئي. وبالنظر إلى أن المرض العقلي قد يتضمن أمورا أخلاقية فإن العزو الجيني قد يثير مغالطة المذهب الطبيعي، ويقلل إدراكنا للفاعلية الإرادية فيه؛ ومن ثم يثير التعاطف تجاه المصابين به. إن من البين المتواتر أن الناس تميل إلى التعاطف مع الحالة المحددة بيولوجيا (واعتبارها لا إرادية وتبرئة صاحبها من المسئولية والملومية) أكثر من تعاطفها مع الحالة المحددة اجتماعيا وثقافيا وبيئيا؛ ومن ثم فإن من ينظرون إلى المرض العقلي على أنه مرض جيني وراثي يميلون إلى إعفاء المريض من المسئولية عن أفعاله، وإلى توقع مآل سيئ للحالة، وإلى اتخاذ مسافة من المرضى والتوجس من خطورتهم. وفي كل ذلك تفعل التحيزات الماهوية فعلها وتحمل الناس على تصور المرض العقلي كتصنيف ثابت لا يتغير، وناتج عن سبب محدد ومتجانس ومنفصل وطبيعي.
أما النظرة العلمية الحصيفة التي تضع الأمر في نصابه وترى إلى المرض العقلي كنتاج لتفاعل البيولوجيا والبيئة - الطبيعة والتنشئة - فمن شأنها أن تخفف من التحيزات الماهوية وترى الأشياء على ما هي عليه.
وصفوة القول - سواء بخصوص العنصر والجندر من جهة أو بخصوص التوجه الجنسي والإجرام والمرض العقلي من جهة أخرى: إن الحجج التي تدعم الأساس الجيني تثير استجابات أكثر قدرية مما تثيره الحجج التي تدعم العوامل الخبروية. يبدي الناس تحيزا عندما يعلمون أن أعضاء الجماعات الإثنية/العنصرية يختلفون في جيناتهم، وتؤدي النساء أداء أكثر تدنيا في الرياضيات عندما يسمعن أن الرجال يمتلكون جينات رياضية، وينال المثليون تسامحا أكثر إذا قيل: إن هناك جينات للتوجه الجنسي، ويقل اللوم على المجرمين إذا كان ثمة جينات تتعلق بإجرامهم، وتعد الأمراض العقلية أكثر خطورة إذا كان ثمة جينات ضالعة فيها، ويأكل الناس كعكا أكثر إذا علموا أن هناك جينات للسمنة.
عندما ينظر إلى أعضاء جماعة اجتماعية معينة على أنهم مرتبطون جينيا فإنهم يدركون ككيان ثابت وله علة محددة، ومتجانس، وطبيعي. ومثل هذه الإدراكات يمكن أن تفضي إلى التنميط والتحيز، وبخاصة إذا كانت العضوية في الفئة الاجتماعية كائنة منذ الولادة وثابتة إلى حد كبير، كما في حالة العنصر والجندر. ومع ذلك فعندما ترتبط العضوية في فئة ارتباطا وثيقا بمظاهر سلوكية (مثل المثلية والسمنة والإجرام) فإن إدراك الإرادة قد يقل ويقل معه إدراك مسئولية العضو في فئة موصومة، وينتج عن ذلك تعاطف مع العضو وتخفيف الإدانة. كما أن إدراك طبيعية الأمر الناجمة عن إدراك السبب الجيني قد يحفز مغالطة المذهب الطبيعي التي من شأنها أن تحسن التقييمات السلبية.
وجدير بالذكر أن الأبحاث الجينية السلوكية تشير إلى أن أغلب السلوك هو وراثي بدرجة ما؛ مما يومئ إلى أن هذه الألوان من التحيز الماهوي الجيني قد تظهر في كل المجالات تقريبا التي يمكن فيها تبيان العنصر الوراثي. مثال ذلك: أنه يبدو محتملا أن التحيزات الماهوية الجينية قد تتجلى أيضا في كيف ينظر الناس إلى الكحولية أو السلوكيات الإدمانية الأخرى، أو كيف يتصورون شدة الأمراض ومآلها، أو كيف يتصورون مختلف أنواع السمات والاتجاهات والقدرات. وقد يكشف البحث في المستقبل مجالات أخرى يؤثر فيها العزو الجيني تأثيرا غير منضبط على أفكار الناس وسلوكهم.
ورغم أن الجينات تؤثر في معظم مصائر الحياة على نحو احتمالي؛ إذ يعتمد «التعبير الجيني»
gene expression
على وجود متغيرات بيئية معينة، وإذ تتفاعل الجينات مع جينات غيرها؛ فإن الناس عندما يواجهون حججا جينية تنشط تحيزاتهم الماهوية، وقد تنتهي بهم إلى أن يروا تلك المصائر بطرائق مختلفة اختلافا بعيدا. إن الجينات - كما يتصورها عامة الناس على الأقل - يمكن أن تقدم تفسيرا ماديا مكينا لسؤال: «لماذا يسلك الناس بالطريقة التي يسلكون بها؟» (11) الماهوية الجينية والخطاب الشعبي
يتعرض الناس عديمو التمرس الرسمي بعلم الوراثة لحجج تتعلق بالصفات الوراثية للبشر. وقد ظلوا يتعرضون لذلك طيلة قرون. وسوف نتناول فيما يلي كيف يتفاعل الحديث في الجينات مع تحيزات الناس الماهوية الجينية، سواء في الماضي في الخطاب الدائر حول حركة اليوجينيا (تحسين النسل) وما يتصل بها من سياسات عامة، أو في الأزمنة المعاصرة في التصورات العامة عن البحث الجيني. (12) الماهوية الجينية والأفكار اليوجينية
Shafi da ba'a sani ba